نمير بن سالم آل سعيد
في الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، كان الإعلام المحلي من إذاعة وتلفزيون وصحافة مصادرنا الوحيدة للأخبار، وتتبع القضايا والأحداث، وكانت وزارة الإعلام الوحيدة التي تنشر الحقيقة إعلاميًا وتبثها للمواطنين كيفما أرادت، وتغيِّب ما تعتقده غير صالح إعلاميًا وغير ملائم للنشر!
وشهدت فترة منتصف التسعينيات ظهور المحطات الفضائية العربية والعالمية، ولم تعرف بعض الدول كيف تتعاطى مع هذا التدفق الإعلامي، فأسمته "غزوًا فكريًا" ومنعت صحون الاستقبال (الدش/ الستالايت) وصادرتها ممن استطاع تهريبها إلى البلاد وفرضت عليه الغرامة المالية!! وإنما لم يكن من المستطاع الاستمرار على هذا المنوال من المنع؛ لأنَّ العالم يتقدم نحو إعلام متعدد الرؤى والفكر، ولا يعتمد فقط على المصدر الحكومي في تلقي المعلومة.
كما أصبح لا يمكن الانغلاق على الذات إعلاميًا، والعالم يشهد المتغيرات الإعلامية العابرة للحدود والتي لا يمكن وقفها، فأحدثَ ذلك صدمةً على الصعيدين الرسمي والشعبي، بما أتى من تدفق إعلامي من خلال المحطات الإعلامية الفضائية، وقدرتها الفائقة على الوصول للأحداث ومناقشتها إعلاميًا بحرية تامة، قد لا يتماشى مع توجهات وسياسات البلد المتلقي للبث للقادم من هذه القنوات. وأصبحت مسألة المقارنة بين هذه الفضائيات الحكومية والخاصة وبين إعلام البلاد الرسمي مطروحة، وكثرت أسئلة المقارنة الإعلامية على الصعيد الشعبي حول مستوى الأداء الإعلامي وكفاءته فيما يُقدَّم من برامج تناقش قضايا الوطن وأحداثه، وعلى صعيد نشرات الأخبار المقدمة، والدراما الإذاعية والتلفزيونية المعروضة، والتساؤل عن الإمكانيات المادية والبشرية التي تدعم هذه الأعمال من أجل إعلام منافس ناجح. وأصبح من لا يستوعب المتغيرات الإعلامية ويواكب تطورها، يتجمد، ويطغى عليه التخلف الإعلامي.
ولم تكد بعض الدول العربية تفيق من صدمة التدفق الإعلامي على شعوبها من خلال المحطات الفضائية، إلا وبدأ مارد وسائل التواصل الاجتماعي في الظهور والانتشار، وعلى رأسها يوتيوب وفيسبوك وتويتر، وفي وقت لاحق إنستجرام وتيك توك وغيرها من المنصات الإعلامية الكثيرة التي تتيح، بسهولة، الاستخدام بأقل الأثمان، ورؤية وسماع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت! ووقفت الدول مشدوهة متفرجة عاجزة عن فعل أي شيء إزاء هذه الأمواج العاتية التي يحدثها هذا المارد في ثقافتها وبيئاتها الإعلامية الوطنية. وقامت بعض الأجهزة الإعلامية بمواصلة ممارسة دورها الإعلامي التقليدي كما اعتادت عليه "حسب المُتَّبع" بعقلية الثمانينيات والتسعينيات، وكأن ثورة المعلومات لا تعنيها في شيء، ولا شأن لها بها! تتلقى التعليمات بيدٍ وتوجهها- كما هي- بيدٍ أخرى، من خلال الحظر والممنوع بحماية حكومية فوقية على كل ما يُقال وينشر محليًا. فأصبح الإعلام يواجه مأزق التحديات في الشكل والمضمون، بينما من أدرك حجم التغييرات الحاصلة في المجال الإعلامي وعمل على تطوير إعلامه مواكبة للمستجدات، تقدم في خطواته إلى الأمام. ومن بقي تحت تأثير الصدمة استمر على حاله متأخرًا دون تطوير في المجال.
بينما التطوير في المجال الإعلامي لا يتوقف عند حد معين، نظرًا لنوع الأعمال الإعلامية وحيويتها المتجددة ومتطلباتها الدائمة الفنية والمادية.
إذن.. ماذا نريد من إعلامنا؟!
ما نعرفه أننا لا نريد البرود والنعومة الضعيفة المسلوبة الإرادة والرضوخ وضعف الأداء، نريد إعلاماً ينشر الحقائق بلا خوف، إعلام المبادرة والتصميم على الإجادة الإعلامية الحقيقية والإبداع المتجدد. نريد من إعلامنا اتخاذ القرار الإعلامي بثقة ومسؤولية دون تردد وارتجاف من أجل صالح الوطن.
نريد من إعلامنا ضمان حرية التعبير، كما ينص عليها النظام الأساسي للدولة، وإتاحة المجال أمام الإعلام المحلي الخاص لممارسة دوره كشريك أساسي في مسيرة التنمية الوطنية. وأن يُمنح الإعلاميون القدرة على تطوير ذاتهم وتنمية إمكانياتهم وإعطاهم مساحة من الحرية في العمل في بيئة مهنية تحترم أفكارهم ورؤاهم المبدعة ووطنيتهم المخلصة، والإعلاميون أدرى بإعلامهم.
نريد من إعلامنا تطوير التشريع الإعلامي بما يتواءم مع التطور الإعلامي الحاصل على كافة الأصعدة الإعلامية المتنوعة.
نريد من إعلامنا أن يؤدي رسالة الوطن لصالح الوطن، دون رؤى أُحادية ضيقة تفرض وصايتها على ما يجب أن يكون، بغير دراية إعلامية صحيحة، ومعرفة مهنية إدارية تراكمية تخصصية في المجال.
نريد من إعلامنا عقد ندوة وطنية عامة تناقش هذا السؤال الوجودي: ماذا نريد من إعلامنا؟!
الإجابة على هذا السؤال، ستُرسي قواعد ثابتة، يمكن السير عليها بعقلية جديدة، تواكب المتغيرات الإعلامية الحديثة في انطلاقات العهد الجديد.