بين التغيير والتدمير

 

فاطمة الحارثية

حرب الغايات أصبحت شرسة، ولا يشفع لها فكر الوسيلة، وكأننا ندفع ثمن الانفتاح الفكري والنهضة الأكاديمية، هل الأنا هي من سلبيات النهضة الأكاديمية؟ أم ثمة سوء استيعاب لمفهوم الاختلاف والتميُز، يُقال أن الإنسان يبلغ مراحل الوعي والتركيز في منتصف العمر، لكن هل ما يتداوله الناس والموروثات الفكرية حقائق ثابتة لكل الأزمنة؟ لا أعتقد ذلك.

الطبيعي أن أفكارنا لابُد أن تحمل بين طياتها منافع تشملنا، وإن لم يحصل ذلك، فذلك إيثار، يندُر أن يُوجد، وتضع الصانع في حرب الأسباب، التي لا قد يقتنع بها المتلقي أو الشريك؛ إن قانون الجماعة و"العادة" هو ما يُوجه التفاعل المجتمعي نحو القبول والرفض، ثم يأتي بعده المبادئ فقيم الصواب والخطأ، وهذا ينطبق على كافة نواحي حياتنا سواء الاجتماعية أو العملية؛ وفي زمن النهضة الأكاديمية بات اتباع "العادة" موضع جدل، ومقياسا ضعيفا لدى الكثير من الناس، وباتت مواكبة الحاجات التي تستوجب التغيير والتأقلم، مع المستجدات ليس بالطريق المعبد والسهل، فالبذل هنا يحتاج إلى التعاون، والقيام الجماعي وليس الفردي من أجل بلوغ الأهداف والارتقاء بالمصير، ربما تكون "تعلم" وربما تمتلك الفكرة والحلم والخيال، وكل مقومات واستراتيجيات بلوغ الحلم والهدف، لكن لن تخرج من دائرة العرض إن كنت وحيدا وبدون جماعة تثق بك وتثق بها، أو أدوات ثابتة يُعتمد عليها؛ وهذا ما شكل حقيقة عنوان المقال، التغيير يبدو جميلا على الورق وعطرا من اللسان، لكن طالما أنه فردي الأداء لن يُحقق إلا التدمير.

لقد خلفت النهضة الأكاديمية سلبيات كثيرة لدى الغالبية، منها الرغبة في الاستحواذ والشهرة و"الأنا"- ولي أن أقول- و"الغرور"؛ حيث قرأت بعض المقارنات التي أفرزت الطبائع البيئية للمجتمع العربي، مع نظيره الأوروبي وغيره، وهذه الدراسات لم تتشكل لتعمل كنقد؛ بل لتظهر تلك الطبائع التي تؤثر مباشرة في صناعة القرار، وبالتالي مدى الاستفادة الفعلية للمعطيات والمواد من حولنا؛ سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو الصعود بالأداء بحد ذاته، ربما بعض الدول الكبرى التي سبقتنا في دخول النظام الأكاديمي، عندما تحولت من التقييم الفردي إلى التقييم الجماعي "الفريق"، استهدفت حل أزمة النهضة الأكاديمية لديها، وظهر منافع ذلك في سرعة تطورها، ووجودها على مصاف الدول المنتجة والقوية اقتصاديا.

عندما نأتي بنُظم جديدة وجب أن نؤمن أنها ليست كاملة مهما بدت كذلك، وإن شكلنا مفهوم إدارة المخاطر للوقاية، فثمة صغائر قد تُقاس على أنها طبيعية وصحية، وأيضاً قد يتشكل الجدل في بُعد آخر، لكنها مع التراكم قد يتحول الخطر إلى أمر طبيعي نعيشه كل يوم، فتتحول الحلول لمجابهة الأعراض الظاهرة "بحكم العادة"، وليس جذر المشكلة الحقيقي، مما يُبقى على الأزمة لتستنزف وتهلك المال والجُهد والنمو. عندما نمتلك فكرًا واضحًا، ونبتكر منه حلما ينفع الناس، وجب أن لا نخشى سرقة أحدهم لذلك الحلم؛ بل جُل التركيز أن يكون واقعًا وليس "من". قد لا يتفق البعض معي، لكن بسبب حُكم الفردية التي تُهيمن على اقتصادنا، وأعمالنا نجدنا أمام مقصلة التضحيات من أجل الاستمرار، وإلى أن نعي ونُقر بأهمية العمل الجماعي، وأنه لا نمو أو تحقق قد يحصل إلا بالعمل الجماعي، وجب أن نزيح عن كاهلنا أزمة "الملكية الفردية" ونقبل بفكرة "الملكية الجماعية"؛ وليكن المنطق أن التنفيذ يحتاج إلى مجموعة وهم فعليًا جزء من تلك الفكرة أو الحُلم. وهذا يطمس مفهم الشخص المناسب في المكان المناسب والوقت المناسب، إلى الشخص المناسب في الفريق المناسب والعمل المناسب والوقت المناسب.

سمو...

لن يتذكر أحد شيئًا عن أحد، وعندما يُصبح الحي "كان" لا تُذكر أعماله؛ بل يرتبط "كان" بطيب الله ثراه أو غفر الله له، وهذا خيارك، ماذا تريد أن يقال إذا ذكرك الذاكرون بعد "كان"؟