الشيوخ والرشداء

 

د. خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

كان للشيخ والرشيد في المناطق العمانية دور بارز وجلي وواضح لكل ذي لب، وكان لهؤلاء الصدارة في المجالس والزعامة والهيبة، كان لا يستقيم أمر إلا برأيهم وبتوقيعهم النافذ والماضي عند كل مسؤول في المؤسسات الحكومية والخاصة، وكانت الحكومة تهتم كثيرًا بهم كونهم المكوِّن الأول في المجتمع وحلقة الوصل بينها وبين شرائح المجتمع بصورة عامة، فخفتت هذه الأهمية ولكنها لا تزال تمنحهم الرواتب.

دار الزمان وتطورت الحياة وتغيّر الوضع، ودخلت التكنولوجيا وطوفانها لتغير واقعنا المعيشي والحياتي والقبلي وتخرجنا من الطور التقليدي والقبلي الذي تربينا عليه إلى أطوار أكثر حداثة وتقدمًا لنستغني رويدًا رويدًا عن العيش في جلباب الشيوخ والرشداء، ولننطلق إلى سماوات مختلفة بدعم من الحكومة التي رأت أن الحياة لابُد أن تتطوّر، ومن الظلم أن نقف في آخر الصفوف نستجدي موافقة فلان وعلان على إصدار جواز مواطن أو بطاقة شخصية أو إنهاء معاملة خدمية إلى جانب الكثير من المعاملات التي كانت تتأخر لضرورة توقيع الشيخ أو الرشيد؛ بل إن التوجه الحالي هو الإسراع في تطبيق الحكومة الإلكترونية ومن بعدها الحكومة الذكية، وهو ما يعني الاستغناء عن الشيوخ والرشداء والمسؤول الحكومي الذي رفض لسنوات وعاند لرغبته الجامحة بالتوقيع على كل شاردة وواردة من معاملات المواطنين بحكم كونه الآمر الناهي، وقد صدقت الحكومة في ذلك، فالقطار لا ينتظر المتأخرين.

ولفتح صفحة جديدة مع الشيوخ والرشداء لمعاونة الحكومة في عدد من المهام والإجراءات التنظيمية، فإننا ندعو الحكومة الرشيدة لتأهيلهم وتدريبهم وتنويرهم في كثير من القضايا التي يمكن أن يكونوا مساهمين فيها، ولتفعيل دورهم في المجتمع من خلال وسائل جديدة ومسؤوليات حديثة يمكن أن يُكلفوا بها، فلا يعقل بعد 51 عامًا أن يظل دورهم محصورًا على التوقيع على معاملات لا يدرون عن بعضها ولا يعرفون مضمونها ولا صحة بياناتها من عدمها، فقد ثبت لي أن هناك معاملات وُقِّعت من قبل عدد من الشيوخ والرشداء هي في الأصل غير قانونية وبها تعدٍ على المال العام وفساد واضح، وبدلًا من ذلك لا يخدمون المؤسسات المعنية زادوا الطين بلة، ويمكن أن نذكر مثالًا على ما حدث خلال أحداث إعصار "شاهين"، فقد تم توقيع عقود إيجار لعدد من المواطنين هم في الأصل غير مستأجرين لمنازل بغية الحصول على المعونة العاجلة التي أمر بها جلالة السلطان- حفظه الله ورعاه- للمتضررين والمقدرة بـ1000 ريال، وقد استلم هؤلاء المعونة في حين لا يزال المتضرر الحقيقي ينتظر وزارة التنمية الاجتماعية لمنحه هذه المعونة العاجلة بعد مضي قرابة 3 أشهر، وقد أسر لي أحد المسؤولين بأنهم اكتشفوا عقد إيجار لبيت مهجور في الأصل وموقع من قبل الشيخ أو الرشيد ومن قبل والي الولاية الذي تصل إليه الرسائل في الحلقة الأخيرة وما عليه إلا التوقيع على مصداقية الشيخ أو الرشيد، وشهدت دوائر البلديات في الولايات المتضررة تسجيل عقود إيجار بشكل غير طبيعي.

إن كان للشيوخ والرشداء دور بارز في بدايات عصر النهضة المباركة، فنحن نقدر لهم ذلك ولا نبخسهم حقهم، لكن الزمن أختلف والأمور تغيرت وعليهم أن يتغيروا ويواكبوا العصر الذي نعيشه الآن فمن لا يتجدد يتبدد، ومن لا يتقدم يتقادم، وليدركوا أن الدولة أصبحت دولة مؤسسات وقانون فالجميع سواسية ولا فضل لأحد على أحد، وعلى الحكومة الرشيدة إعادة النظر في الدور الذي يجب أن يقدمه الشيوخ والرشداء في العصر الحديث.. ودمتم ودامت عمان بخير.