كُتب.. ومكتبات

د. خديجة الشحية

Khadija82013@gmail.com

لا تجارة في الكتب، هذا ما كنت أحسبه لكل من ينشر ويطبع كتابا بأنه لن يستفيد من بيع ذلك الكتاب كثيرا، أو قد لايلاقي الإقبال في البيع كأي سلعة أخرى، مع إنني أقتني الكثير من الكتب وأدفع مبالغ كثيرة للحصول عليها، خاصة في السنوات الدراسية الأربع لي في المملكة المغربية؛ حيث كنت أستأنس المرور على المكتبات والأرصفة لشراء الكتب التي كنت أبحث عنها، ومع كل زيارة كنت أحمل الكثير منها أثناء عودتي.

هذا يعني أن سوق الكتاب ليس بكاسد ولا بميت حتى وإن ظلت الكتب بالمكتبات سنوات، لا غبار عليها، مؤكد ستُباع آجلا أم عاجلا. وعندما قمت بطباعة إصداري الأول كنت قد أهديتُ عددا كبيرا منه لكل من يطلبه ووضعت بعض النسخ بالمكتبات، إصداري الأول حمل كتابات ذاتية قد لا تهم الكثيرين، البعض فقط من يبحث عن كتابي ليقرأ ما كتبت ويجد بين أسطره شيئا ملهما. رحلة التعب والراحة كانت تتخلل مواضيع كتابي الصغير الأنيق بيومياته، وكان الكتاب بعنوان "أوراق إعلامية من مسندم"، وبسبب التشكيل الذي وضعته مصممة الكتاب، فقد فهم على عكس ما كنت أقصد، فسر على أنه أوراق خاصة بمسندم وليس بابنة مسندم- كاتبة هذه السطور- وتواصل معي الكثيرون ممن يهمهم أمر مسندم بأنهم يريدون أن يقتنوا الكتاب الصغير بحجمه الكبير في مضمونه، وكنت فرحة لذلك الاهتمام ولم أنتبه إلى أنهم ذهبوا وفهموا من العنوان ما فهموا، وقد خدمني ذلك الفهم لألقى كل ذلك الاهتمام منهم، وقمت بإرسال العديد من النسخ كإهداءات، أن يقتني أحدهم كتابي ويقرأ ما كتبت كان يسعدني أكثر من الريالات لو كنت قد بعتها لهم.

ولعدم توفر المكتبات في ولايتي- خصب- قمت بتوزيعه على مكتبات محافظة مسقط، وهذا التوزيع تم بعد أسابيع المطبوعة من مؤسسة بيت الغشام سابقاً، ولُبان حاليًا. وفي شهر أكتوبر 2019 وضعت النسخ بالمكتبات وأنشغلت عنها، لم أراجعهم إن كانت قد بيعت أم لا، والقائمون على المكتبات- مع احترامي لهم وتقديري على جهودهم- لا يكلفون أنفسهم عناء التواصل حتى وإن كانت الكمية قد نفدت، وهذا مجحف بحق المؤلف كونه ينتظر أن يعوض خسارته في الطباعة؛ حيث إن الطباعة داخل السلطنة مكلفة جدًا.

وفي نهاية عام 2020، سعيتُ لمتابعة تلك الأعداد التي قمت بتوزيعها على المكتبات، ووجدت النسخ في بعض المكتبات قد بيعت فعلا واستلمت مستحقاتي منها بعد خصم النسبة الخاصة بالمكتبة حسب الاتفاق المبرم بيني وبين المكتبة بأن تكون نسبتهم 30% وحصولي على تلك الريالات البسيطة أدخل السرور لقلبي، وتابعتُ عملية التفقد ومررت بأكثر من مكتبة لأجمع مبالغ الكتب من المكتبات. كنت أنوي أدخارها لأنها ثمار جهد فكري وعصارة ذهن لكني بعدها تراجعت؛ ففي هذه الأيام والتي لا تخلو من التقشف وارتفاع الأسعار كيف لنا بالادخار!

راقت لي تلك اللفلفات على المكتبات بين الحين والآخر وكنت أستأنسُ ذلك المرور فرحة بما رزقني الله من فضله، فالشكر ليس فقط على المال الكثير، حتى القليل يستحق الشكر ليدوم. ومن المواقف المضحكة، أنني كنت قد تركت نسخ الإصدارات (أوراق إعلامية من مسندم، ودروازة) في إحدى المكتبات ولم أحدد لهم سعر البيع، قلت لهم قوموا بتقدير الكتابين، وأنا راضية بما سيتم بيعه، فلم تكن تستهويني تسعيرة الكتب لعدم درايتي الكافية بأسعار الكتب وكيف تقدّر من الأساس، أترك ذلك التقدير لخبرة القائمين على المكتبة؛ كونهم على علم ودراية بتسعيرة الكتب في السوق، وكيف تتم.

وضعت النسخ وغادرت المكتبة، وبعد أشهر دخل تلك المكتبة زميل لي بالعمل وسأل عن سعر الكتب، فأجابه الموظف بأنه لم تتم تسعيرته من قبلي، أتصل بي زميلي يسألني قلت له إنني تركت التسعيرة لهم يقدرونها بمعرفتهم، بعدها بأشهر تواصل معي موظف المكتبة ليبلغني بأن الكتب بيعت بأكملها ويريدون نسخًا إضافية، يومها ضحكت وظللت أتهلل فرحًا، ذلك إنجاز بحق كتبي، وذهبت لأضع النسخ المطلوبة في المكتبة فوجدت الموظف يسلمني قيمة المبيعات السابقة وفوق ما كنت أتوقع، نظرت إليه أسأله عن عدد الكتب التي وضعتها سابقا لأنني لم أستلم وصلا بعدها، وحين ذكر لي العدد قلت له هذا المبلغ كثير على ذلك العدد، فأبلغني أنهم وضعوا تسعيرة ريالين ونصف لكل نسخة، وبيعت بناء على ذلك السعر. كان الموظف شاب عماني أنهى دراسته الجامعية وبانتظار حفل التخرج، شكرته على ذلك المبلغ وطلبت منه بيع الكتب بسعر أقل مما بيع سابقاً، واستغرب من طلبي، فقلت له أريد من يقرأ ما كتبت لا يستخسر الثمن الذي دفعه، الاستثمار الحقيقي هو أن يكون لي قراء تروق لهم كلماتي المتواضعة والتي سجلت من خلالها تجارب مررت بها وإنجازات حققتها وصعوبات واجهتني وصنعت مني خديجة التي ترونها اليوم، الإصدارات فتحت لي آفاقاً جديدة، ومصدر دخل إضافي كنت ألجأ إليه أحياناً وقت التقشف المالي حتى وإن كان زهيدا، لكنه كان يسعدني وينقذني.

أختلف عن بنات جنسي في الحراك التجاري، وصناعة المشاريع، لا أدري لماذا مع أنني خريجة تخصص موارد بشرية، وتسويق في مؤهل الماجستير، إلا أنني كنت دائمًا أقول لهم لدي رأس مرتاح لا أريد أن أشقية في التعاملات التجارية وملاحقة من لا يدفع، حتى جعل الله لي في البيع طريقاً أستعذبه وأستلذ السير فيه.

ليس صحيحا ما كنت أحسبه بأن لا تجارة في الكتب، على قدر التسويق للسلعة يأتي الشراء، كنت أعمل على ذلك من خلال حساباتي على تويتر وإنستجرام وواتسآب وإسقاط الضوء على كتبي، وبعضا من الأسطر التي قمت بكتاباتها من خلال تغريداتي على تويتر، هي ليست الأولى التي أستلم مبلغاً على ما أكتب، كنت سابقا وقبل أن ألتحق بدراستي الجامعية، أكتب النصوص المسرحية والأوبريتات الغنائية للمناسبات المحلية بالمحافظة، وكنت أتقاضي عليها مبالغ جيدة، بعد أن ترصد تلك الجهة موازنة مالية للعمل ككل من بينهم المؤلف، الاستثمار الثقافي لم يكن جديدا علي حقا، وأنا سعيدة به.