مدرين المكتومية
من منِّا لا يهتم بالكلمة، من منِّا لا يشعر أنَّ هناك كلمة تشقيه وأخرى تسعده، من منِّا لا يشعر أنَّ الحياة بمجملها تتغير بكل تفاصيلها بمجرد كلمة تلامس مشاعره، وتحرك كل عنفوان الحياة لديه، من منِّا لا ينتظر أن يبدأ صباحه بكلمة جميلة ورائعة، بكلمة شكر وثناء، بكلمة تحفيز، بكلمة تهز الكثير في داخله لتسقط كل مشاعر النبل والامتنان والسعادة لطريقه.
إنَّ الكلمة مهما صغر حجمها، وقل معناها، فهي بمثابة الطريق القصير للقلوب، نحن لسنا بحاجة لتقديم هدية ثمينة، أو تقديم أعمارنا قرباناً لأحدهم، ولكننا بحاجة أن نقدم كلمة حب صادقة من قلب صادق لأحدهم لنصنع له يومه، جميعنا يمكن أن يلحظ أي شخص أمامه وهو يعبث بهاتفه على سبيل المثال، وفجأة لا شعوريا نجده قد ارتسمت البسمة على شفاهه دون أن يشعر فلا يمكننا أن نخمن سوى أن هناك كلمات جميلة قد وصلته من شخص يحبه، أو ينتظره على أقل تعبير.
إنني أعلم جيداً كيف تلعب الكلمات لعبتها في حياة أي شخص، وأعلم أنها تعمل عمل السحر، وتقلب موازين الحياة بأكملها، كلمة صادقة تصنع المستحيل لشخص، كلمة حقيقية ترسم مستقبل شخص آخر، وكلمة عابرة قد تدمر الكثير من البناء، وتبني حواجز عالية لا يُمكن إزاحتها، إنها الكلمات كالحياة تمامًا على قلوب الكثيرين، فهي من تصنع لهم حياة أخرى وهي من ترمي بهم عند منعطفات طرق صعبة.
إنني اليوم عندما أكتب هذا المقال فإنني أكتب عن كل كلمة قيلت ذات يوم في حقي، ولن أذكر أي كلمة غير جميلة بل على العكس علي وعليكم أن نتذكر دائمًا أولئك الأشخاص الرائعين الذين لا يبخلون بقول كلمة الحق، ولا يبخلون بقول كلمة جميلة، " كمظهرك اليوم جميل، هناك شيء ما في ملامحك قد تغير وأضاف عليك الجمال، ملابسك رائعة، اللون هذا يناسبك، الحزن يزيدك جمالا" وغيرها من الكلمات التي تؤثر علينا وعلى حياتنا وعلى تفاصيل يومنا.
تخيلوا معي.. يستيقظ أحدكم صباحاً ليخرج من منزله، يلتقيه جاره ليقول له، كم هو مُمتن لجيرته، وإنه شخص جميل ورائع المعشر، سيذهب الشخص لعمله وهو بكامل سعادته، وكأنه يملك الدنيا بأكملها، يلتقيه زميل عمله، يخبره أن مديره كان يمتدح عمله أمام زملائه بالتأكيد سترتفع معنوياته وسيقدم في اليوم التالي عمله بإتقان أكبر وتزداد مسؤولياته في العمل، إن الكلمة مهما صغرت لا تبخلوا بإخبار أي شخص بها لأنكم لا تعلمون وقعها وتأثيرها على تفاصيل يومه.
قل لمن تحب، إنك تحبه، وقل لمن تشتاق له إنك تشتاق له، وقل لمن يرتدي ملابس جميلة، إن ذوقه رفيع، وقل للحزين، إن الحياة تزاد جمالا بابتسامته، وقل للفقير إن الحياة لا تبقى على ما هي عليه، وقل للمريض إن الابتلاء جزء من المحبة الصادقة، وقل لكل من يُعبر حياتك، إنه فرصة رائعة لا تتكرر، ومهما حدث سيظل دائماً شخصاً لم يكن عبوره عادياً ذات يوم حتى وإن رحل عنَّا، فعندما تقول ما في قلبك بالطبع ستشعر براحة تامة وسيشعر الآخر أيضا بشعور النشوة، لا تتركوا الكلمات الجميلة والطيبة حبيسة حناجركم، إنما أطلقوها فنحن لا نعلم كم من الوقت ستعطيه لنا الحياة لنقول للآخر كلمات جميلة.
الحياة لا تؤتمن، وقصيرة جدًا أمام كل شيء، لذلك اتركوا بصمات كلماتكم ترن في أذن الآخرين، اتركوا الآخر يفقدكم ذات يوم عندما لا يعود لكم مكان، إنَّ الحياة مهما مكثنا فيها وأعطتنا الفرص؛ فهي بقدر ما تُعطي تأخذ، وبقدر ما تُكسبنا تسرق منِّا، فلا تجعلوا منها سوى محطة عبور وإيصال رسائل الحب لمن تحبون عبر الكلمات، فالكلمة الصادقة والحقيقة التي نستعيرها في كثير من الأحيان أقوى بكثير من فعل مجاملة نضطر للقيام به!