ناصر بن سلطان العموري
التقاعد وما أدراك ما التقاعد؟ هي كلمة في ظاهرها الراحة من بعد مشقة سنين من العمل وفي باطنها تكمن المُعاناة والتفكير فيما تبقى من العمر؛ فالأيام القادمة لهذه الفئة تتسم الرؤية فيها بالضبابية وعدم وضوح المعالم لا سيما في ظل الوضع الحياتي الحالي؛ حيث المادة هي الأساس والمسيطرة في ظل عصر الضرائب واستقطاع الراتب من كل حدب وصوب.
المواطن أصبح لا يعرف من يصدق هل الأخبار الصحفية التي تصدر في التسهيل على الراغبين في التقاعد من جانب البنوك وعدم استقطاع أكثر من 30% من الراتب وهذه خطوات إن اتُخذت بشكل جاد لارتاح المتقاعد وانعكس ذلك على سلوكياته وأحس براحة نفسية. أم البنوك تضرب بكل التعليمات عرض الحائط؟ وكون أن المقال الذي بين أيديكم ذي صبغة مجتمعية بحتة، فقد وردتني مناشدة من قبل مواطن أراد أن يرتاح ويتقاعد بعد سنين عمل طويلة، لكن تفاجأ أن الوضع ليس كما هو مُعلن عنه في المانشيتات الصحفية المزخرفة وتصاريح المسؤولين البراقة؛ بل إن هناك فجوة كبيرة بين التصاريح المعلنة وبين ما هو مُطبق على أرض الواقع من قبل الجهات صاحبة القرار.
أترككم مع المناشدة كما وصلت بكل أمانة: "استبشر المتقاعدون خيرًا بعد سماعهم المباركة السامية بإطلاق برنامج تعديل شروط سداد القروض والتمويلات للمتقاعدين، وشجعني هذا الخبر عند سماعه على اتخاذ أهم خطوة في حياتي المهنية وهي التقاعد بعد مسيرة عمل حافلة ناهزت 30 سنة من الكفاح لا سيما أننى انتظرت آخر 10 سنوات بدون ترقية؟! وكانت أطول مدة انتظار قضيتها في حياتي دون نتيجة؟
وقد صرح مسؤول في البنك المركزي في نفس التوقيت أن إعادة هيكلة القروض تشمل كافة المتقاعدين حتى القدامى منهم، وكوني عميل لأحد البنوك منذ قرابة عشر سنوات بعدما انتقلت إليه من بنك آخر طمعاً في مميزات وفائدة أقل لإعادة جدولة ديوني كمتقاعد؛ حيث أبلغت البنك بأني بداية 2022 سوف اتقاعد وأرغب في إجراء جدولة لديوني، وبعدها تمت إفادتي بأنه حسب قرار البنك المركزي سوف يُمدد القرض حتى بلوغي سن السبعين عامًا، وهذا جميل لكن الخوف أن تكون هذه المدة مدفوعة على حساب المتقاعد في النهاية من خلال زيادة نسبة الفائدة؟!
وحدد البنك المركزي نسبة من 30% إلى 35% بالمئة من الاستقطاع من الراتب التقاعدي، وهذا شيء رائع حتى لا يتأثر راتب المتقاعد بعد خروجه للتقاعد، لكني تفاجأت بعدها أن البنك أوصل نسبة الاستقطاع إلى أكثر من 60% بالمئة من الراتب، وقد وكان المبرر أن القرض الخاص بي كبير ولا يمكن زيادة مدة التقاعد مع استحالة طلبت تخفيض نسبة الفائدة من 6% إلى 3 أو 4%. وعندما أبلغت دائرة خدمات المراجعين بالبنك المركزي كان الرد الصادم "ماذا نفعل؟ قرضك كبير!" وكأنهم اتفقوا على صيغة موحدة للرد مع البنك.
هنا كان يجب على البنك المركزي التدخل لكبح جماح البنوك التى تفرض على المتقاعد نسبة عالية من الفوائد وهي 6% عكس دول الجوار التي تصل بها النسبة إلى 2%، ولو وجه البنك المركزي البنوك لتخفيض نسبة الفائدة لتتناسب مع نسبة الـ30% من استقطاع الراتب تقريباً وليتنفس المتقاعد الصعداء، فالراتب لم يعد كما هو بالأمس دسماً يملأ المحفظة ويبهج العين ويسعد القلب.
والغربية هنا أن البنوك تحاول أن ترمي السنارة لإغواء الزبائن الجدد على تخفيض نسبة الفائدة وإن كانت مركبة، أما من هم في قبضتها والسيطرة لها، فتلزمهم بأعلى نسبة للفائدة من باب تطبيق مقولة "مُكره أخاك لا بطل"؛ بل وتتحجج بالقرض العالي للمواطنين. وفي أعتقادي أن أغلب المواطنين- وطبعا المتقاعدون منهم- أخذوا قرضا عاليا لمواجهة متطلبات الحياة وظروفها الطارئة؛ فالكثير لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب.
وفي الختام أناشد البنك المركزي الإنصاف بصفته المشرف على القطاع المصرفي في السلطنة لمخاطبة البنوك بالتسهيل على المواطنين، وخاصة المتقاعدين منهم والحرص على تطبيق تعاميمه، وأن لا تكون حبرا على ورق". انتهت رسالة المواطن.
ما اطلعتم عليه هي تجربة موظف على وشك التقاعد، تشير إلى أن التسهيل على المتقاعد ضرب من الخيال وطيف من الأحلام؛ فتوصيات البنك المركزي في وادٍ وتطبيقها من جانب البنوك في وادٍ آخر، فما أن يفكر الموظف في التقاعد ويراجع البنك إن كان عليه قرض حتى يتفاجأ بأن كل ما سمع وذكر عن التسهيلات المقدمة للمتقاعدين أضغاث أحلام، وأنها بعيدة عن الواقع كل البعد، وهذا من خلال ما لمسه وسمعه؛ فالبنك لا يرحم المواطن وما زال يستنزفه طالما لديه حساب بنكي يمشى دون انقطاع، فلا مراعاة في نسبة الاستقطاع ولا نقصان في نسبة الفائدة... والله المستعان.
في اعتقادي أن هناك حلقة مفقودة بين التعليمات الصادرة في مراعاة المتقاعدين من جانب البنك المركزي وبين ما هو حاصل ويواجهه المتقاعد من عراقيل من جانب البنوك، فلا يكفي أن يواجه الظروف الحياتية الأخرى حتى يتكالب عليه البنك ويدق المسمار الأخير في نعش المُتقاعد.
رفقًا بالمتقاعدين فهم من كدوا وتعبوا وذرفوا حبات العرق وافنوا زهرة شبابهم من أجل وطنهم، وسبيل رفعته، وهم يستحقون في المقابل من وطنهم الكثير.