عائشة السريحية
أول ما يتبادر للذهن بعد سماع هذه الكلمة "قشري"، هو كل قشرة غطت شيئًا، وكان بداخلها لب، واللب أو الجوهر غالبا ما يكون متواريا في الأعماق، وما يظهر على السطح ويكون مكشوفا يصبح مألوفا واعتياديا، لذلك تفتح المناجم للبحث والتنقيب، لاستخراج اللب كونه شيئا ثمينا يستحق البحث والجهد والمال.
لذا فهذا المصطلح ماديا كان أو معنويا، يشير لذات المعنى. ويتعدى كونه كلمة تتفرد بها الأشياء والنباتات، إنِّه مصطلح يغطي العمق الإنساني وأبعاده، ويغطي كذلك الشخصيات التي سأطلق عليها الشخصيات القشرية.
يتميز القشري بمنح توافه الأمور حجماً أكبر مما هي عليه، ويسعى بكل ما أوتي من قوة وجهد للحفاظ على تلك المظاهر السطحية فيبذل وقتاً طويلاً لتزيينها ورش مساحيق التجميل عليها، ظناً منه أنه أخفى كل عيوبها.
نجد من القشريين، من يقيم غيره بطريقة ملبسه مثلا، أو وسامة شكله، أو حجم محفظته، تجحظ عيناه وتقفزان لمجرد أن يرى شخصية أعلى منه مكانة ويرتجي منها مصلحة، لهم ألسنة تنطلق بالتمجيد والتعظيم والتقديس، أطلق البعض عليهم لقب ماسحي الجوخ، يمشون بكرامة مهدورة ويرتدون أقنعة لا تخفي سوى عورة الفراغ الذي يسكنهم.
لا يرون الأمور ببعدها الصحيح، نظرتهم لا تتعدى طول ظلهم المرسوم على الأرض، والعجيب أن القشري ربما يكون ذكيا لكنه يفتقر للعمق الإنساني، وربما يكون له لسان معسول لكنه يجيد دس السم في العسل، كزبد البحر يرغي خارجه دون أن يحوي فائدة، يقول المثل الإنجليزي"لا تحكم على الكتاب من غلافه" ولكن القشريين لا يتعاملون إلا مع الأغلفة، وهم أيضا لا يكلفون أنفسهم بالبحث والتحري في جوهر الأشياء، يحبون استيراد الأفكار المُعلبة، من سماتهم تقليد غيرهم وتقمص شخصياتهم إن شعروا بأنهم أفضل منهم حسب مقاييسهم السطحية، لذلك قد تبذل المرأة القشرية أموالا طائلة على عمليات التجميل فلا يخيفها مشرط ولا جهاز شفط ونفخ، المهم أن تصبح ذات قشرة جميلة لعرضها على الجمهور، دون أي هدف أو محتوى سوى انتظار الضغط على زر الإعجاب والاشتراك.
بينما الرجل القشري قد يتأثر بكل ماهو برَّاق حوله أو خارج محيطه دون وعي كامل لماهية الأمر، فيبذل الغالي والرخيص للحصول على بريق زائف.
أستطيع أن أطلق عليهم أيضًا "receivers مُستقبِلات" تماما كأجهزة مستقبلات البث، لا يمتلكون سوى برمجة واحدة، وزر إطفاء، لكنه إطفاء للجوهر، لا نظرة لديهم للمُستقبل سوى تلك التي ترسم لهم مصلحتهم الشخصية، دون أي اعتبار للمصلحة العامة.
ولكن ما الهدف من الحديث عنهم؟
توقعت سؤالك عزيزي القارئ، لذلك دعني أنهي حيرتك، إن القشري قد لا يعرف أنَّه قشري، فقد تكون أنت! وربما قد يكون أحد أقاربك أو جيرانك أو زملاؤك ليس مهماً مدى صلتك به، لكن المهم هو أن تصل المعلومة لكل قشري، فأول العلاج "التشخيص"، وليعلم من كان متعمدا القشرية أنَّ ورقة التوت لم تعد كافية، وأن الجميع من حوله يعلمون أنَّه مجرد قشرة لامعة، تتشقق في مختلف الظروف، قد تنتشر موضة القشريين فترة من الزمن، لكن حين يستوعب المجتمع خطر وجودهم يبدأون بالحديث عنهم والتأفف منهم، ومُحاربة هذه الظاهرة.
لست ضد وجود القشريين على هذا الكوكب، ولكني ضد الأثر الذي يصنعونه، وأرغب عزيزي القارئ أن يعي النَّاس خطورة التعامل معهم دون أخذ الحيطة والحذر، فهم إن وضعوا في المكان الخاطئ ستتفشى قشريتهم وستُؤثر في نسيج المجتمع وتتسرب بهدوء تحت أقدام النَّاس فيصابون بهذا الفيروس البشري الذي ما إن يتفشى فلا حل له.
عزيزي القارئ.. إنَّ الأمر جد مقلق، فهم يتكيفون حسب ما تمليه عليهم رغباتهم وإن أضرت بالغير، فهل تعلم أنهم أيضًا لصوص للإبداع، فهم لا يجتهدون سوى باقتناص أفكار الغير، وإن أتيحت لهم الفرصة يشترونها بالمُقابل، ولسان حالهم يقول: إن لم أكن قادرًا على الإبداع فأنا استطيع شراء فكرة إبداعية، أو ربما اقترضها دون الحاجة لإعادتها، أو لا بأس من السيطرة عليها فأنا أكثر أحقية بها من غيري.
عزيزي القارئ.. القشريون آفة مُنتشرة، لكنهم أيضًا قشور، فلا يملكون صلابة جوهر، ولا لب معدن، وكيفما كانت البهرجة تظل القشور قشورًا.
إنهم يعشقون الأضواء، ولا يفرقون بين الوقوف أمام عدسة الكاميرا لتوثيق شيء يستحق، أو أنهم يظهرون لمجرد الظهور، لا يتوانون عن وضع أسمائهم بالخط العريض، وتهميش جنود الكواليس، يتقنون جيدًا التسلق والصعود على الأكتاف.
أظنك الآن أصبحت قادراً على إكمال سلسلة القشريين بعد أن عرفت أنهم فصائل وأنواع عديدة لا يجمعهم سوى القشرة البراقة التي تغلفهم.