إنه قلمي!

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

تأبى الأسود أن تنال منها الأنعام صنف الأغنام وغيرها، وتأبى الذئاب أن يأكل لحمها الضأن أو الأقزام، ومن شدة شراستها وغيرتها، تموت دون العرض والشرف، وتدافع ضد كل من تسول له نفسه المساس بها، أو من يقترب منها بسوء أو بهمسات أو لمسات أو غمزات، فكيف بالحركات.

وحينما نعلم أننا قوم يجعلنا المولى عزَّ وجلَّ في أحيان كثيرة قنطرة عبور إلى مبتغى ونجاة آخرين، فإنَّ ذلك لربما سيشمل أشياءً كثيرة، حتى إبداعات القلم وفنونه وما يقدمه للناس ويبديه، وحينما تؤمن بأنه في أحيان كثيرة، يسترعي انتباهك لطف وطلب ورجاء، يتضمن أن تقدم خدمة حتى على حساب القلم نفسه، الذي يُبدي مدى براعة كاتبه وصاحبه، ففي اعتقادي هنا لن تتردد عن فعل ذلك.

فالمعلم يهدي فكره وعطاءه حتى لمن لا يستحقه، انطلاقًا من افعل الخير ولو في غير أهله، فإن لم يكن هو أهله فأنت أهله.

إنَّ أؤلئك الذين يبحثون عن الشهرة والظهور حتى على حساب تضليل الناس والمجتمعات من خلال الكلمة والمفردة، في اعتقادي أنهم كثيرون، وحتى يعيشون بيننا، ونعلم أن هناك من يدعي قلماً ما بأنه قلمه، ومن يدعي بيت شعر بأنه له، ومن ينسب لنفسه النحو والصرف والبلاغة واللغة والقصيدة وغيرها، بأنهم نتاج إبداعه، وإفرازات فكره وإلهامه، لكن هيهات هيهات، إنما ذاك هو مكسب آتٍ به من آخرين.

وفعل قام به عصاميون، أرادوا بعملهم ذاك، جعله على بدايات الطريق، والأخذ بيده لضمه في الفريق، وأقصد هنا فريق المثقفين والمتعلمين ومرتبة الأدباء، والمنضوين تحت لوائهما.

كنت أعلمه القراءة والكتابة كل يوم، فلما اشتد ساعده بقلمي طغى وتنكر، وما عاد يتذكر، وبعد ذلك ما تفكر، فبجهد الآخرين، صار يُقال عنه عملاقاً مهاباً، وإنه بريق وشهاب، ووالله ما هو إلا بالقول الرخيص آتٍ، وبالكلم الضعيف متباهٍ، ولكن هذه هي الأحوال وحال الدنيا، فإن خليت خربت، ومن جانب آخر، فما نحن للغيب بعالمين، ولا للسر وما أخفي نحن مطلعون.

تمضي السفينة على الماء وليس على اليابس، وتمخر عباب البحر والمحيط وليس لها بالبر صلة وبالصحاري علاقة، فمثل ذلك مثل الذي أراد علماً عن جهل، وأراد تقوى بدون علم وصلاح، وخوف ووجل، "إنما يخشى الله من عباده العلماء" صدق الله العظيم، فالذي يخشى الله تعالى ويكون أكثرهم خوفاً وخشية ووجلا منه جلَّ جلاله، هم ليسوا الجهلا، وإنما هم المتقون الصالحون المصلحون، الذين يتعلمون ويعملون، ويتلون كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، وتجدهم بأحكامه عاملين، وبالحق قائمين وعلى الصراط مستقيمين، وعن الباطل مائلين.

أما الذي يفتح عيناه بعدما ردَّ الله له روحه على برامج التواصل لاهثاً وراء الشهرة وهذا وذاك، وباحثاً عن غزل وإعجاب، ومدح وثناء في بريده، وكم أصبح عدد المتابعين، لا أعتقد أنه جدير بأن يتخذ الكتاب جليساً له، والقراءة معينه وزاده، حتى يأتي بالكلم الطيب، فلمثل أؤلئك أذكرهم ونفسي بقول الله "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً".

إن مجال احترام وتقدير الآخرين فيه متسع كثير، وله وجوه كثيرة، وجوانب مختلفة ومتعددة، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، وشكر الله عز وجل وعباده، دليل تواضع ومحبة وعلم، وفهم وهداية وحلم، فلماذا الجحود والتعالي والغرور، أم أنه لا بُد من تطبيق تلك القاعدة التي تقول، كل إناء بما فيه ينضح.

اللهم اغفر لنا تقصيرنا، وثبتنا بالقول الثابت في الدنيا والآخرة، واختم بالصالحات أعمالنا.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة