إيلي الرائعة

 

عبدالله الفارسي

أخبرني صديق تونسي له أخ يعيش في فرنسا، يقول: نحن للأسف لدينا المرأة الأوروبية هي مثال للخيانة والمروق والعهر، ولأننا جهلة بالشعوب معطوبو البصر والبصيرة تأخذنا العزة بالإثم، نحكم على الشعوب من ظاهر الأمور ونطلق الأحكام دون دقة أو دليل أو يقين.

يقول الأخ عن أخيه: كان لدى أخي صديق فرنسي اسمه "آرثر" عملا معاً 33 عامًا، في أحد مصانع السفن الفرنسية، كانا صديقان حميمان لصيقان لدرجة أنَّ أخي حين قرر شراء منزل اشترى منزلاً بجوار منزل صديقه آرثر. يقول على لسان أخيه: "كانت زوجة صديقي آرثر تحبه بشكل عجيب، كان اسمها إيلين، فكان يدلعها آرثر ويناديها بـ"ايلي"، وكانت إيلي لا تأكل قبله إلا إذا طلب منها ذلك، ولا تدخل غرفة نومها قبله، إلا إذا اضطر آرثر أن ينام خارج بيته. تركت إيلي عملها رغبة وحباً في العناية ببيتها وزوجها. كانت تنهض قبله كل صباح، تُجهز له قهوته وتُعد له الفطور. وكانت تلحقه حتى سيارته لتناوله وجبة الغداء التي كانت تجهزها له طوال ثلاثين عامًا، وتقبله. يقول: 30 عاما لم يمض صباح دون أن تمنحه قبلة على خده. كانت تتصل بي كل صباح للاطمئنان وتوصيني بأن اعتني به وأتنبه إليه، خوفًا وقلقًا عليه فهي تعلم أنه يتصرف أحياناً بفوضوية وعشوائية، كنَّا مهندسين في مصنع سفن، وكنَّا عرضة للمخاطر وتحدث بين الفينة والأخرى بعض الإصابات المُؤلمة لبعض زملائنا من العمال.

كان آرثر عصبي المزاج سريع الانفعال لكنه طيب القلب سريع الانطفاء والذوبان وكانت إيلي هي من يعرف كيف تتعامل معه وتروضه وتكبح جماح أعصابه وانفلات مزاجه.

كان آرثر في بعض الأحيان يُبالغ في شرب الكحول ويأتي بيته مترنحًا يتعته من السكر فكان يشتمها ويصرخ في وجهها كوحش كاسر. وهي تقوده إلى غرفته بكل صبر وهدوء ورقة، تخلع حذاءه، وقميصه وتحضر له منشفة باردة لتغسل بها وجهه المحتقن والمتعرق بسبب السكر فكانت تسنده وتمدده في فراشه وهو أضخم منها مرتين.

كان لهما ابنتان، وكانت تعتني بالثلاثة عناية متساوية حتى تزوجت ابنتاهما فمنحته نصيبهما من الاهتمام والرعاية.

وحين توفي آرثر فجأة إثر نوبة قلبية مُباغتة، فُجِعت إيلي وحزنت وتوجعت بطريقة لا يُمكن وصفها؛ لدرجة أنني لم أتمكن من محادثتها شهرين كاملين لإيصال التعازي إليها خوفاً عليها من الانفجار بالبكاء واستجلاب حزنها من جديد.

وبعد شهرين من وفاة آرثر كتبت لي إيلي هذه الرسالة، "أكرم.. إنني لم أخسر زوجاً ولكني خسرت صديقاً وأخاً ورفيقاً وحبيباً رائعاً لا أعلم كيف سأكمل الحياة بدونه".

الوفاء لا دين له ولا وطن ولا جنس. الوفاء بشري العقيدة إنساني المصدر، إنه ينبت في كل القلوب الطيبة، ويشرئب عالياً في كل الأرواح النقية الطاهرة.

يقول: كان صديقي الفرنسي آرثر يزعجني دائمًا بهذا السؤال: لم لا تتزوج يا أكرم؟! فأقول له: لا أظن بأنني سأعثر على زوجة كزوجتك إيلي. فيرد عليّ آرثر مؤكدًا وبكل صدق ووضوح وهو يهز رأسه أسفًا: "لا أظن أنك ستعثر على زوجة مثلها، لا أظن.. إيلي زوجة نادرة يا أكرم"!