قمة الدوحة.. وطموحات المواطن الخليجي

د. محمد بن عوض المشيخي

أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

توجهت الأنظار والأفئدة إلى العاصمة القطرية الدوحة التي احتضنت قمة ثنائية فريدة؛ تجمع حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وأخاه سُّمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وذلك في زيارة رسمية الأولى من نوعها إلى الدوحة.

وتكمن أهمية هذه القمة التاريخية بأنها المحطة الثانية لجلالة السلطان هيثم خارج السلطنة منذ توليه مقاليد الحكم في يناير 2020، وذلك بعد زيارته للمملكة العربية السعودية الشقيقة، قبل بضعة أشهر. فهذا اللقاء الأخوي يأتي في إطار تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين اللذين تميزت علاقاتهما بالتوافق والانسجام حول معظم القضايا الخليجية والعربية والدولية. كما إن هناك العديد من الملفات الهامة التي تشكل هاجسًا لشعوب المنطقة وهي جديرة بالمناقشة وتبادل وجهات النظر حولها نظرًا لما تشكله من مخاطر على أمن المنطقة بشكل عام ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، مثل حرب اليمن والملف النووي الإيراني،  والتحديات التي تواجه مسيرة العمل الخليجي المشترك؛ فالسلطنة تتمتع بحكمة معهودة في حل الخلافات بين دول العالم عبر تاريخها السياسي الطويل؛ إذ ينظر المراقبون للشأن السياسي في المنطقة للقيادة العمانية التي تحظى بالثقة، وتملك مفاتيح الحل والعقد التي تمكنها من حلحلة القضايا الخلافية بين الأطراف المتصارعة، فالسلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ثم جلالة السلطان هيثم بن طارق منذ توليه القيادة، عرفا بجهودهما وحنكتهما السياسية التي تطفئ الحرائق وتحاصر الفتن وتعمل على رأب الصدع وتحقيق السلام العادل في المنطقة التي تشهد منذ زمن  ليس ببعيد؛ حروباً وصراعات وجودية على نطاق واسع لم تعهدها المنطقة من قبل.

وعلى الجانب الآخر تميزت القيادة القطرية بالدبلوماسية الهادئة وتقديم الحلول والمبادرات السلمية على المستوى الإقليمي والدولي، ولعل دور القيادة القطرية في تحقيق السلام في أفغانستان خير دليل على هذه الجهود الحكيمة لهذا البلد العزيز. كما أن الجهود العُمانية القطرية المشتركة في تحقيق السلام في الشرق الأوسط خاصة القضية المحورية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي مثال آخر على حكمة البلدين في الساحة الدولية. ويعد الدور الإعلامي الذي تضطلع به دولة قطر منذ تسعينيات القرن العشرين، دورا رياديا يُعزز مكانة قطر والدول العربية قاطبة على الساحة الدولية التي نحتاج فيها لمنابر قوية لتوصيل الصوت الخليجي والعربي إلى العالم. من هنا أدركت القيادة القطرية أهمية القنوات التلفزيونية ذات الطابع الدولي ودورها في عصر العولمة وثورة الاتصال؛ إذ قامت هذه القيادة الشابة المتمثلة في الأمير الشاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومن قبله والده الشيخ حمد بتخصيص الموارد اللازمة لشبكة الجزيرة خاصة قناة الجزيرة العربية، وكذلك قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية، وهما القناتان اللتان أصبحتا أشهر معلم في العالم ويعد شعار قناة الجزيرة واحدًا من العلامات المميزة الأكثر اعترافًا بها والأكثر نجاحًا في تاريخ البث التلفزيوني، فقد أعلن موقع "براند تشانل دوت كوم" أن "الجزيرة" في مقدمة أكثر خمس وسائل إعلامية وثقافية تأثيرا في العالم بمعية العمالقة الكبار مثل (آبل وجوجل وفيس بوك وشبكة سي إن إن العالمية).

والعلاقات العمانية القطرية قديمة وأزلية، فقد كانت الدوحة مقصدا للعمانيين الذين يبحثون عن مصدر الرزق والتعليم والعلاج خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وما زال من عاش تلك الأيام الصعبة يُكِن كل الاحترام والتقدير لهذه الدولة الشقيقة شعباً وحكومة. كما إن قطر أرسلت المناهج الدراسية للسلطنة في بداية النهضة لتمكن الحكومة الجديدة من فتح المدارس في سبعينيات القرن الفائت. أما في مجال التعاون الاقتصادي، فيعد مصنع الحافلات في الدقم- الذي يقدر رأس ماله بحوالي 100 مليون دولار- واحدا من أكبر المشاريع المشتركة بين الدولتين، ويمتلك جهاز الاستثمار العماني حوالي 30% من إجمالي أصوله. أما التبادل التجاري بين السلطنة وقطر فلم يتجاوز العام الماضي خمسة مليارات ريال قطري؛ بينما تأتي الاستثمارات القطرية في السلطنة في الترتيب الثالث على مستوى دول المجلس بعد الإمارات والكويت، على الرغم من الحضور العالمي لاستثمارات الصندوق السيادي القطري الذي يستثمر مئات المليارات من الدولارات في معظم دول العالم شرقا وغربا.

الآمال معقودة بعد هذه القمة التاريخية على الاتفاقيات التي وقعت اليوم في الدوحة بين الحكومتين والتي تمحورت في المجالات العسكرية والاقتصادية، وعلى وجه الخصوص الاستثمار في السياحة والعمل والنقل البحري والموانئ؛ فالكل هنا يتوقع من الأشقاء في قطر الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للسلطنة وخاصة المطارات والموانئ التي سبق أن استفادوا منها من قبل أثناء الحصار.

إنَّ أبناء الخليج في دول المجلس الست يتطلعون للزعيمين الكبيرين: جلالة السُّلطان وسُّمو الشيخ أمير قطر، وكذلك أشقائهم قادة دول المجلس، للعمل على تضافر الجهود المشتركة لتحقيق المزيد من الوحدة والاندماج وتوحيد الصفوف في مواجهة المخاطر التي تواجه المنطقة، والعمل على تذليل العقبات التي تواجه المواطن العادي في هذه الدول خاصة في مجالات التوظيف والإقامة والحقوق، فتلك أصبحت من المطالب الأساسية والضرورية لاستمرار هذا المجلس الذي تأسس قبل 40 سنة.            

يجب الاعتراف بأنَّ مجلس التعاون لم يُحقق إلا القليل من الإنجازات التي يسعى إليها المواطن الخليجي العادي الذي ينتظر في كل قمة خليجية قرارات قوية من قادة هذا التجمع الخليجي، هذه القرارات التي يفترض أن تمنح المزيد من الاندماج والمساواة بين أبناء الخليج، لكن أبرز الذي نفتخر به الآن المرور بالبطاقة الشخصية عبر المنافذ الحدودية والمطارات؛ حيث هناك بوابات خاصة تميز مواطني دول المجلس، وهذا المنجز أفضل على كل حال من إدارة ظهورنا لبعضنا البعض في هذا العالم الذي تحول إلى قرية كونية صغيرة. لا بُد هنا أيضًا من التذكير بالجهود الخيرة التي قادتها سلطنة عمان والكويت لتقارب وجهات نظر قادة المجلس ومحاولة المحافظة على البيت الخليجي الذي يحتضن الجميع، ثم كان لقيادة المملكة العربية السعودية الدور الأبرز في قمة العلا العام الماضي بإغلاق ملفات الخلافات وفتح صفحة مشرقة جديدة بين شعوب المنطقة.

وفي الختام.. يجب أن نتعلم من دروس الماضي ونستفيد من الأحداث التي مرت على المنطقة خلال السنوات الماضية؛ فطموحات أبناء الخليج كادت أن تنكسر على جدران الخلافات بين الأشقاء، من هنا ندعو من هذا المنبر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إلى تفعيل قوانين النظام الأساسي الخاص بميثاق المجلس وإضافة نصوص واضحة تُساعد على تماسك الأعضاء، والبحث عن القواسم المشتركة التي تجمع ولا تُفرق، لكي ندفن الضغائن؛ فخطر التشرذم والخلافات الخليجية- إذا رجعت مرة أخرى- تهدد الجميع، وتساعد الطامعين في هذه المنطقة على تحقيق أهدافهم المدمرة.