تطلعات المرحلة الراهنة

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

سبق وأن تناولت موضوع الحُريات السياسية في مقالين سابقين، وذلك في الفترة الماضية ولايزال الموضوع جديرا بالمتابعة وتسليط الضوء على أهميته وضرورته التاريخية الراهنة.

ورغم الهموم المعيشية الضاغطة التي تشكل هاجس قطاع واسع من المُواطنين إلا أننا سنرجئ الحديث عنها إلى وقت آخر، لماذا؟ لأننا نعتقد أنَّ مُعالجة كل القضايا يجب أن تتم من مداخل سياسية وتلك أولوية الأولويات؛ وهي ربما تكون ممرًا إجباريًا لتطوير الأداء الوطني العام وتجويد عمل مؤسساته وبناء أدواته الرقابية الشعبية التي تضبط إيقاع فعله وممارسته العملية وتفتح على رسم خيارات اجتماعية جديدة تعبر عن تطلعات العمانيين في مستقبل أفضل على كافة المستويات.

إنَّ تبديد الضغوط الاجتماعية وخلق مسارات عقلانية لتسييرها أمرٌ في غاية الأهمية، وهو مطلب وطني ملح وتتضاعف أهميته مع مرور الأيام، خاصة في ظل التحولات الاجتماعية الواسعة في البنى الاجتماعية والاقتصادية وما تفرزه من وعي يستوجب إيجاد تعبيراته السياسية في أطر تشريعة عصرية حديثة. إن المراوحة الحالية سببها الجوهري يكمن في هدر طاقات فكرية كبرى مُغيّبة ومهمشة عن المشهد العام ولم تجد الفرصة الكافية لتقديم مرئياتها السياسية والاقتصادية والثقافية للمعضلات الاجتماعية واستنباط المخارج والحلول اللازمة في ظل تحديات العمل الجماعي المنظم؛ الأمر الذي سيُولد بالضرورة حالة من عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي ينعكس سلبًا على كافة جوانب الحياة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا.

الموضوع يتمثل في كيفية ترتيب الأولويات والاستفادة من مواردنا البشرية والمادية بشكل سليم، بما يخدم تطور المجتمع وتقدمه، وهذا يتطلب الإمساك بالحلقة المركزية في كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي الشامل والتي هي مفتاح كل الحلقات الأخرى، وتلك مهمة وطنية تعكس مدى قدرة الجهات المعنية على استقراء الواقع وتلمس احتياجاته بشكل موضوعي وعملي؛ بحيث تُحشد كل الطاقات والإمكانيات في عملية وطنية تاريخية كبرى ضمن خطط مدروسة بعناية فائقة وموزونة بميزان الذهب.

هل القناعة لم تتولد بعد للإقدام على هكذا خطوة رغم الحاجة الماسة لذلك؟  يبدو أن بعض المحاذير ما زالت راسخة في الذهن، رغم انتفاء شروط التمسك بها؛ إذ ليس هناك سببًا واحدا يستوجب منع فتح المجال أمام تنظيم الجهد الاجتماعي والتعبير عن الآراء المختلفة بكل وضوح وحرية وشفافية في مناخ ديمقراطي حضاري دون التعرض لملاحقات قانونية. ولا أظن أنَّ في مثل هذه الطروحات ما ينتقص من قيمة أي جهة؛ طالما أنها تنطلق من شعور وطني عميق بالمسؤولية وتجري وفق أطر قانونية حسب النظام الأساسي للدولة، وتعمل في وضح النهار.

من حقنا أن نتطلع إلى مشاركات سياسية أوسع في هذه المرحلة التاريخية في ظل مسيرة النهضة المتجددة، التي تستهدف إحداث نقلة نوعية تواكب التحولات الكبرى على الصعيد الإقليمي والدولي، الأمر الذي يتطلب جهودا جماعية للانطلاق نحو الغد المشرق الذي ينتظرنا ويوفر سبل الحياة الكريمة لكل أبناء هذا الوطن العزيز.