الحروب الإعلامية.. صراع تتفرع أدواته

 

بدر بن زاهر الكيومي

baderalkiyumi@hotmail.com

 

حروب إعلامية منظمة تُديرها منظمات ودول، البعض منها يتخفى تحت مُسميات حقوقية وخيرية، وقنوات إعلامية مخصصة لتزييف الحقائق والتلاعب بالرأي العام، مناوشات وشد وجذب بين الشعوب، تفاعلات تعصف بوسائل التواصل الاجتماعي، تشكيك في مصداقية القرارات الصادرة ووصفها بالهلامية، ونحن وسط هذه الدوامة نظل حائرين لا نعرف إلى أيِّ مسار يقودنا العالم الافتراضي، أحداث ومناوشات لم يشهد لها التاريخ مثيلا على امتداده.

قد يعتقد البعض بأن الحروب متوقفة على الحروب والمعارك العسكرية فقط، لكن يجب أن ندرك بأن الغزو الفكري والسياسي والاقتصادي- كما يطلق عليه-  لم يعد عسكريًا؛ بل هو غزو يسعى إلى إذعان العقول والسيطرة على فكر المجتمع المستهدف وإيصال رسائل مبطنة  عبر استخدام أدوات إعلامية متنوعة، لتصدق المقولة: "أعطني إعلامًا أسقط لك أعلامًا".

إنَّ ما يجب علينا إدراكه أنَّ هناك فرقًا كبيرًا بين الحرب الإعلامية والمناوشات الإعلامية، الحرب الإعلامية هي من يؤثر على الثقافات ويحث الناس على استحباب وتقبُل الأشياء، بينما المُناوشات الإعلامية هي تلك التي نراها بين الشعوب، والطوائف، فتجدهم اليوم يتراشقون وتجدهم غدًا يتشاركون في الأفراح والأتراح.

ومن أنواع الحروب التي انتشرت مُؤخراً وربما تأتي من غير تخطيط مسبق لتكون من طرف واحد هي حرب تعرف بين المختصين بثقافة التشكيك؛ حيثُ يتم التشكيك في أي قرار يصدر من قبل صناع القرار- بغض النظر عن رَأيِي الشخصي في القرارات الصادرة- ويبدأ التطاول عليها والقدح في مضمونها، والتشكيك في فوائدها- أي القرارات. هذا لا يكون من قبل منظمة مُعينة؛ بل هو نابع من تراكمات سابقة مثل البطء في الإنجاز وأحياناً عدم البدء في أساسيات الهدف المُعلن عنه قبل سنوات، بمجرد الإعلان عن القرار إلا وتشتعل الحرب أوزارها بمعنى أن هناك أزمة ثقة.

وحرب التشكيك تقودنا إلى ضرورة التأكيد على أهمية بناء الثقة مع الجمهور والشفافية والوضوح في القرار ليعقبها الاحترافية في الإنجاز، فتلك الحرب خطيرة إلى حد ما، وتقود إلى ما لا يحمد نتائجه لو استمرت على ما هي عليه؛ فإنسان اليوم ليس كمثل إنسان الأمس، فاليوم أصبح سلاحه في يده يعبّر عن رأيه وعن امتعاضه من خلال جهازه المحمول الذي يحمله معه أينما ذهب ليوثق ذلك بالصوت والصورة، وهذا ما شهدناه مؤخراً عندما قام أحد البنوك باستقطاع مبلغ من حسابات زبائنه بشكل فجائي؛ ليصحو الزبائن على كم هائل من رسائل الاستياء وعدم الرضا، ثم تأتي شركات وبنوك أخرى لتستغل موقف الجمهور وتعلن عن تميزها في ذلك المجال بطرق جذابة على أكتاف ذلك البنك. وهذا يدعونا إلى الحذر قبل اتخاذ أي قرار يمس دخل ومعيشة المواطن. وهذه رسالة قوية أوصلها المواطن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بأننا تغيرنا ونختلف عن الأجيال السابقة والذين كانوا لا يملكون أداة التعبير.

ومن الأمثلة الأخرى التي احتوت على الحرب وثقافة التشكيك معاً، أزمة كورونا، فقد واجهت الحكومات- خاصةً في بداية الجائحة- رفضاً في الالتزام بالقرارات، وذلك نتيجة ما تبثهُ بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي من شكوك حول حقيقة الوباء، وكذلك عند التوعية بأخذ اللقاح، ما حدا بالجهات المختصة إلى استصدار قوانين صارمة من أجل الامتثال إلى القرارات وتطبيقها، ومما أعطى زخمًا للحرب الإعلامية على الإجراءات هو عندما أجاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على سؤال حول حقيقة الوباء بإجابته الشهيرة: "Ask Chaina" أو "اسئل الصين".

وفي الختام.. نؤكد أن مدى رصانة الشعوب والشفافية والاحترافية في توفير احتياجات الوطن والمواطن هي الردع الحصين لأي حرب إعلامية مهما تعددت أدواتها.

تعليق عبر الفيس بوك