مجلس العائلة

 

راشد بن سباع الغافري

 

كتبتُ ذات مرة- ومنذ سنوات عدة- في أحد إصداراتي عن فكرة "مجلس العائلة"، وتتلخص الفكرة في أهمية أن يكون لكل عائلة مجلس يجمع أبناءها في المناسبات أو العطلات أو إجازات نهاية الأسبوع، ليتبادلوا الحديث فيما بينهم، ويتابعوا أخبار بعضهم، ويتدارسوا شؤون عائلتهم، ويرسخوا معاني التواصل والقيم الحسنة بين أبنائهم وأطفالهم.

وأكثر الأشياء التي كانت تميز مجتمعنا العماني هو وجود مثل هذه المجالس والتي كانت تتمثل في "سبلة القرية" وفي الرمسات العائلية، وقد كان لها أثر واضح في قوة بناء ونسيج العائلة، وفي تماسك أفرادها وتواصلهم، وتوريث أخلاقها وعاداتها لأجيالهم، وقد انعكس ذلك على قوة المُجتمع وتماسكه.

كثير من أجيال اليوم باتت تفتقد لتلك الصفات العائلية النبيلة، وصار يغلب على كثير من الأسر طابع الاستقلالية المنغلق على محدودية أفرادها فقط، ولم يعد مستنكرًا أن لا يعرف الابن من هم أبناء أخواله أو أعمامه فضلاً عن معرفة بقية الأقارب باختلاف درجة قرابتهم.

حتى وصلت كثير من الحالات إلى حد الجفاء والتنافر، وعدم التلاقي لا بالأجساد ولا بالأفكار. ومما زاد الأمر سوءًا انشغال كثير من الأبناء بالتقنيات الحديثة لدرجة انغلاقهم على أنفسهم وأجهزتهم، وهو ما شكل عاملا كبيرا في تفكك الروابط ليس بين العائلة وحسب وإنما وصل إلى ما بين الأسرة الواحدة حيث الصمت هو الغالب على أجواء البيت.

عودة مجلس العائلة بات ضرورة ملحة لتفادي كثير من الظواهر السلبية التي انخرط فيها بعض الشباب والأطفال، الذين لم يجدوا التوجيه الصحيح، ولم يجدوا من يغرس فيهم القيم والأخلاقيات الحميدة التي من المفترض أن يكونوا عليها، وصاروا يستقون في تلك العزلة كثيراً من السلوكيات الخاطئة من وسائل التواصل التي انفردوا بها وانفردت بهم، وأقصتهم عن أسرهم وعوائلهم بقصد أو دون قصد.

ختامًا.. احترم كثيرًا العوائل والأسر التي تحتضن أفرادها في مجالس وجلسات يستقون من بعضهم البعض المعاني الجميلة التي كانت في سابقيهم، ويحافظون من خلالها على تنقية أبنائهم من الأفكار الدخلية والممارسات الشاذة التي لا تمت إلى مجتمعنا بصلة، وآمل حقًا أن يعود ذلك الدور لمجالس الأسر والعوائل ومجالس الأحياء والقرى لتسهم في التنشئة الصحيحة لهذه الأجيال التي يعوّل عليها الشيء الكثير في صلاح هذا المجتمع.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة