يوميات مراقب جوي (1)

 

عمرو العولقي

اقتربت الساعة من السادسة صباحًا وصاح منبه الهاتف ليوقظ أحمد من نومه العميق، ونهض والنعاس يغالبه ويسابق الوقت للذهاب للعمل، في هذا الصباح المُمطر الجميل.

بالنسبة للموظف العادي؛ يبدو يوماً جميلاً للعمل والاستمتاع بالأجواء الماطرة، أما بالنسبة للمراقب الجوي فهذا اليوم هو يوم الحذر والتركيز، لأنه في مثل هذه الأيام تقل الرؤية الأفقية والسطحية ويختلف اتجاه الرياح، ويصبح أمان الحركة الجوية هو أقصى الأولويات للمراقب الجوي.

الطائرات تُحلق في الأجواء والاستعدادات على أرض المطار لاستقبالها تكون على أشدها، تعمل الطواقم الأرضية على توجيه الطائرات القادمة والمُغادرة وتنظيم الركاب إلى مركز المطافئ الخاصة بالمطار، والذي يعمل على مدار الساعة. ولا ننسى مركز المراقبة الجوية والذي يتكون من ثلاث وحدات: برج المُراقبة الجوي ويعتمد على النظر المُباشر من المُراقب وأجهزة التواصل والملاحة الجوية والأرضية، وهو مختص بحركة الطائرات القريبة من المطار ومدرج الهبوط، وكذلك تنظيم الإقلاع والهبوط بدقة تامة لسلامة الطائرات والركاب على حدٍ سواء...

مركز الاقتراب الراداري هو الوحدة الثانية باختصاصات مختلفة وهذه الوحدة تعنى بالطائرات القادمة من مسافات بعيدة أو المُغادرة بعد استلامها من برج المراقبة ويستخدم المراقب الجوي شاشة عملاقة تظهر فيها كل معلومات الطائرات وموقعها الفعلي وسرعتها.

وهنا يقوم المراقب الجوي بتنظم حركة الطائرات المغادرة من أرض المطار والقادمة إليه وضمان عدم تصادم الطائرات وهو عين الطيار الثالثة، بحيث يقدم له كل الدعم ويعد حلقة الوصل بين برج المراقبة وبين مراقب المنطقة، وهي الوحدة الأخيرة في منظومة المراقبة الجوية.

تختص هذه الوحدة بتسيير جميع الرحلات في الارتفاعات العالية وتوجيهها إلى وجهتها بأمان تام أو تسليمها إلى منطقة أخرى أو دولة أخرى باستخدام أجهزة اتصال خاصة لهذا الغرض.

وبالعودة إلى أحمد فقد تجهز وبدأ التوجه إلى برج المراقبة الجوي ومرَّ عبر البوابة الأمنية وتأكد من أنه يحمل ما يلزمه من أكل وشرب يكفيه لمدة ٨ ساعات سيقضيها في البرج.

ابتسم زميله حين رآه وأيقن أنه آن له أن يُغادر إلى بيته بعد ليلة عمل شاقة في المناوبة الليلية، وودعه بابتسامة وأخذ يخبره بما لديه من مهام، وقام بتسليمه كافة المهام ونبهه إلى أنَّ الرؤية اليوم شبه معدومة وأنَّ العمل سيكون مجهدا ونصحه بشرب كوب من القهوة قبل المباشرة في العمل.

ارتدى أحمد السماعات الخاصة بالمراقبة بعد أن أكمل الفحص الدقيق لجميع الأجهزة والتأكد من جهوزيتها وبدأ بالتواصل مع الطائرات وتوجيهها، فتارة يرد على الهاتف الأرضي وتارة يخاطب المركبات التي تعبر مدرج الهبوط مبقياً عينيه دائماً في الأفق على جميع الطائرات.

شاشة الأرصاد الجوية تخبره بأنَّ مجال الرؤية اليوم منخفض جداً، مما يعني أنَّه لابد أن يعلم مركز الطوارئ للاستعداد إذا ما ساءت الأحوال الجوية، وعليه أيضاً أن ينتبه لسرعة الرياح المتغيرة، واتجاه هبوط الطائرات وإعلام الطيارين، إذا تغير اتجاه الريح.

فجأة تقترب طائرة البوينج ٧٧٧ من أرض المطار ويطلق نداء استغاثة. يرد أحمد على النداء عبر اللاسلكي ويخبره بأنَّ المطار على أتم استعداد لاستقباله، ويسأله عن سبب المشكلة، يرد عليه الطيار بأنَّ إحدى عجلات الهبوط لم تستقر في مكانها الصحيح ويخشى أن تكون مُعطلة.

قام أحمد بالضغط على زر الطوارئ، مستنفرًا كل الوحدات الأرضية وهنا يرن هاتف البرج، إنه اتصال من رئيس قسم الإطفاء يستعلم عن الوضع ومدى سوء المشكلة بالطائرة القادمة، ترد عدة اتصالات من جهات مُختلفة، والهاتف لا يتوقف عن الرنين، وتحول أحمد فجأة وكأنه موظف بدالة يرد على الهاتف، تارة يخاطب الطائرات الأخرى ويبعدها عن مسار البوينج٧٧٧، بينما يبقي عينيه شاخصتين على المدرج، وعلى الطائرة التي على وشك الهبوط خلال دقائق معدودة.

ماذا سيحدث لو؟ أول سؤال تبادر إلى ذهن أحمد في تلك اللحظة بالذات... يتبع،،،

-----------------

هذا جزء بسيط من عمل المراقب الجوي فهو الجندي المجهول خلف الكواليس الذي لا نلقي له بالا لأننا لا نراه عندما نغادر المطار أو الركوب على متن الطائرة كل ما نستطيع رؤيته هو ذلك البناء الطويل الذي يدعى برج المراقبة.

تعليق عبر الفيس بوك