شرُ البلية ما يضحك!

عبدالله الفارسي

تُتحفنا وسائل التواصل الاجتماعي الصاخبة هذه الأيام والمدججة بالتعليقات والتصريحات الوطنية الحماسية والسخريات العميقة، وفي الحقيقة أثارني تصريحان ملفتان متداولان بكثرة خلال الأسبوع الماضي.

التصريح الأول لشخصية لامعة مضيئة ومشتعلة ومتوهجة كأنها جبل على رأسه نار، يقول في تصريحه إن قضية الخلل في جودة البنزين هي قضية مفتعلة لا أساس لها من الصحة وغير مدعمة من جهات الاختصاص وغير منطقية؛ لذلك اضطررت أن اضحك لأن "شر البلية ما يضحك"! حيث يستيقظ أحدهم من نومه العميق وينهض من فراشه الناعم الوثير ويركب سيارته الفارهة متوجهاً إلى شركته العظيمة ويدخل مكتبه الصقيل الأنيق ويبدأ صباحه متلذذًا باحتساء قهوة الشاكراتو الإيطالية أو قهوة اللاتيه الفريدة اللذيذة، ثم يلعق شفتيه بانسجام وتناغم وعذوبة، ويستمتع بجرائد الصباح التعيسة الموضوعة أمامه بعناية، ولا يكترث بالبنزين ولا يهتم أساسًا حتى بالنظر إلى مؤشر البنزين؛ فالراتب حين يكون هائلًا وضخمًا أضخم من حجم الإنسان وأكبر من رأسه، ولا أظن بأن قضية تبخر البنزين أو سرعة نفاذه هي قضية مهمة أو شائكة بالنسبة له. لأنَّ البنزين مهما طار ومهما تبخر ومهما ارتفع سعره والتهب ثمنه؛ فالراتب خيالي ودسم جدًا ويفيض عن الحاجة، وليس هناك أي اهتزاز في المحفظة أو خلل في الرصيد، وبالتالي لن تهتز عضلة القلب ولن يرتعش الصدر حين يؤشر مؤشر البنزين.

يقولون: منذ متى يكترث الشبعان بالجائع؟! هذه من سخريات الشعوب العربية الدارجة!

إذن كلام الشخصية اللامعة صحيح، وكلام كل النَّاس الكادحين الذين يلهثون في الشوارع وراء لقمة عيشهم ويقطعون مئات الكيلومترات لأجل أطفالهم هو كلام فارغ وسخيف، ولا أساس له من العقلانية والمصداقية.

كلام الشيوخ الطيبين الصادقين الصامتين ذوي اللحى البيضاء الناصعة وكلام الشباب ذوي الشوارب الخفيفة المشذبة بعناية ودقة.. وكلام النساء المكافحات العابرات للمدن والمناطق كله كلام خطأ في خطأ وفراغ في فراغ.

"والقول هو ما قالت حذام" كما أكدت العرب.

الكلام الفصل هنا هو ما نطق به هذا الشخص اللامع الأنيق، وكل هؤلاء الناس الذين يعرفون سياراتهم كما يعرفون أولادهم ويفهمون سياراتهم كما يفهمون أجسادهم ويراقبون ويدققون ويحسبون ومتأكدين أنَّ وتيرة نفاذ البنزين أصبحت سريعة جدًا وغير طبيعية، وأن معدل فتح محافظهم وإدخال أصابعهم في جيوبهم ودفع ريالاتهم في محطات الوقود أرتفع بوتيرة مخيفة ومفزعة.

هؤلاء كل ملاحظاتهم وكلامهم متخلخل متعفن وغير صالح للاستهلاك، ولا أساس له في الواقع ويجب تسفيههم وتجاهلهم، بينما كلام صاحبنا بأن البنزين العماني لا غبار عليه ولا يعلوه القذى ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يحمل في بطنه الغبار والهواء والصدى والغش والتلاعب. فلنشكر الرجل على هذا التصريح المبارك ولنقل له: "بوركت وبوركت جبهتك الناصعة".

****

أما التصريح الثاني المتألق فيحمل لنا "بشارة عظيمة"؛ لأننا منذ سنوات طويلة لم نحصل على بشارة بيضاء تضيء لنا القلوب وتثلج الصدور. منذ سنوات ونحن نترقب شروق بشارة جميلة بهيجة وسعيدة تسعد البشر وتفرح البيوت وتضحك الحجر لدرجة أننا يئسنا من شروق البشارات الطيبة وأغلقنا أبواب المفاجآت السعيدة. لكن يبدو أنه ما زال هناك شيء من البشائر في جعبة السماء الرحيمة، وها هي البشارة تأتينا بأن متوسط أعمار العمانيين سيصل في العام 2040 إلى 79 عامًا، ولله الحمد!

حقيقة هذه البشارة وهذا الاكتشاف العلمي الرائد يستحق زغرودة مجلجلة، لكني لا أعرف كيف أترجم الزغرودة في سطور أو أرسمها على الورق أو أطلقها وأفرقعها في الهواء!

إذن ها هو الخير قد أينع ونضج وأقبل وعانق. في العام 2040 سيكون متوسط أعمارنا 79 عامًا. ماشاء الله تبارك الله.

إذن في العام 2040 ستكون أوضاعنا النفسية والصحية والجسمانية متقاربة مع أحوال مواطني الدول الاسكندنافية.. صحة ورفاهية وطاقة وتفاؤل وعمر صحيح ومديد. لكن من أطلق هذا التصريح لم يوضح في بشارته هذه الأسس التي بنى عليها هذا الإعلان الجميل وهذه البشارة الساطعة؛ هل الأسباب ستعود إلى ارتفاع مستوى الدخل وزيادة رفاهية المواطن وانخفاض أسعار المواد الاستهلاكية وضروريات الحياة؟  أم بسبب ارتفاع جودة التعليم وارتفاع مستواه؟ أم نتيجة التطور الصحي وصعوده إلى درجات سماوية؟ أم لتوافر المناخ الصحي والتراب الصحي والغذاء الصحي واللحم الصحي والدجاج الصحي والبصل الصحي والباذنجان الصحي؟!

كان يفترض ممن زفوا لنا هذا التصريح بأن يسردوا لنا بعض أسباب وصول معدل أعمارنا  إلى 79 عاما في العام 2040، حتى يتسنى للمواطن أخذ كل دواعي الحيطة وأساليب الحذر للالتزام بمختلف قواعد الصحة العامة وقوانين الغذاء النموذجي حتى يتمكن من الاستمتاع بعمر مديد وحياة طويلة خالية من الغم والنكد والفزع والهلع وأصناف المنغصات.

***

لا أدري حقيقة هل سأصل إلى العام 2040، وكيف سيكون حالي؟ وكيف سيكون قلبي؟ وكيف سيصبح وجهي وكيف سيمسي جلدي وكبدي؟

من الصعب جدا جدا التنبؤ بأحوالنا النفسية والعصبية والصحية في العام 2040، لكنني وحسب معطيات الواقع وإحصائيات الحاضر أعتقد أنه في العام 2040 سيكون الوضع بشكل عام وعلى مختلف الأصعدة ليس على ما يرام. وأن صحتنا لن تكون جيدة أبداً (هذه وجهة نظري الشخصية الذاتية الفردية). قد يختلف معي في وجهة نظري الملايين من الناس ولكنها وجه نظري الثابتة والثاقبة والتي لن اتزحزح عنها. لكن من باب التقدير والامتنان يجب أن نشكر من توصلوا إلى هذا الاكتشاف وتلك البشارة العظيمة وعلى هذه الحقنة الصحية النفسية المنشطة الثمينة ونقول لهم: "شكرًا وبوركت قلوبكم لقد أبهجتنا بشارتكم"!