د. يوسف بن حمد البلوشي
يمثل الحصول على التمويل بالتكلفة والاشتراطات المناسبة، أحد أهم عناصر الإنتاج الضرورية لتعزيز قدرات شركات القطاع الخاص وتمكينها من توسيع استثماراتها، مما يتطلب توجيه معظم السياسات الاقتصادية للتأثير عليه ولا تستقيم أية معادله تنموية بدون هذا العامل.
وفي السياق المحلي، نحتاج إلى شركات قطاع خاص تمتلك القدرة على الاستثمار، فلا يمكن أن تتحقق جهود التنويع الاقتصادي وخلق فرص عمل للمواطنين دون نمو القطاع الخاص فهو المفتاح الحقيقي لخلق فرص عمل وتحقيق التنويع في القاعدة الإنتاجية. ويستدل من تقرير "سهولة ممارسة الأعمال لعام 2020" على أن السلطنة تقدمت 10 مراكز في جميع المؤشرات ما عدا مؤشر الائتمان؛ حيث إن ترتيب السلطنة تراجع إلى المرتبة 144. ويرجع ذلك من بين أسباب أخرى إلى تردد النظام المصرفي من التوسع في الإقراض وخاصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ووضع شروط فيما يتعلق بالملاءة المالية، في الوقت الذي لا يتوانى النظام المصرفي عن التوسع في القروض الاستهلاكية طالما هناك مصدر دخل ثابت ومستقر.
إلى جانب ذلك، فإنَّ الحكومة في سعيها إلى إصدار سندات وأذون الخزانة لتمويل بعض جوانب الإنفاق، فإنها تكون قد زاحمت القطاع الخاص في الحصول على الائتمان. حيث تفضل البنوك هذا النوع من التمويل من ناحية العائد المتوقع وكذلك انعدام المخاطرة. كما إن الحكومة هي المودع الأول في الجهاز المصرفي؛ حيث تمثل الودائع الحكومية في حدود نصف الودائع في الجهاز المصرفي، والحكومة تفاضل بين البنوك من يقدم سعر الفائدة الأفضل على الودائع. الأمر الذي أدى لتنافس في رفع سعر الفائدة على الودائع بين البنوك للظفر بالودائع الحكومية، وهو ما انعكس مباشرة على ارتفاع في أسعار الفائدة على القروض التي تمنحها البنوك لشركات القطاع الخاص.
ولا يخفى أن البنوك العاملة في السلطنة لديها رؤوس أموال صغيرة ولا تتوافر بها أوعية استثمارية متنوعة، وهناك عدد محدود من بنوك الاستثمار. كما إن هناك تأثيرًا محدودًا للسياسات المتبعة من البنك المركزي لدفع البنوك وشركات التمويل للاندماج لتكوين كيانات كبيرة قادرة على المنافسة والتواجد في الأسواق العالمية، علاوة على أن السياسات المتبعة غير قادرة على تفعيل بورصة مسقط والتي تمثل أداة مهمة لحشد المدخرات وتوجيهها إلى الاستثمار في الاكتتابات الجديدة. ولذلك نجد أن سعر الفائدة السائد في السلطنة على القروض يصل إلى أكثر من 6% وهو الأعلى خليجيًا، كما إن سعر الفائدة في شركات التمويل يصل إلى أكثر من 11%. وبالنسبة للائتمان المصرفي الممنوح حسب النشاط الاقتصادي تستحوذ القروض الشخصية والإسكانية والاستهلاكية على نصيب الأسد. وعلى صعيد تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ما زالت نسبة التمويل متواضعة لا تصل إلى 5% من إجمالي الائتمان المصرفي، في حين دولة مثل سنغافورة يزيد الائتمان الممنوح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة فيها على 35%.
لا شك أنَّ هناك العديد من السبل للتعامل مع ارتفاع تكلفة الائتمان واشتراطاته، من خلال تصميم برامج إقراضية للقطاع الخاص في مختلف المحافظات يقوم فيها البنك المركزي بدعم أسعار الفوائد من خلال تحمل جزء يسير من معدل الفائدة. فعلى الحكومة أن تخفض من سعر الفائدة على الودائع التي تطلبها، وتلقائياً سينخفض سعر الفائدة على القروض. وهناك حاجة لرفع رأس مال بنك التنمية العماني من 100 إلى 200 مليون ريال مع تغيير الاشتراطات التي تقيده وإنشاء صندوق للتنمية الصناعية بـ200 مليون ريال، بشروط ميسرة ورفع وتيرة الاتصال مع البنوك العالمية والخليجية والمحلية؛ لرفع رؤوس أموالها وضخ المزيد من السيولة في السوق العماني.
إنَّ المرحلة المقبلة تتطلب خلق كيانات مالية كبيرة والدفع بملفات الاندماج والاستحواذ بين مؤسسات القطاع المصرفي والسعي الحثيث؛ لاجتذاب بنوك وشركات تمويل واستثمار عالمية، وذلك لتوفير التمويل المطلوب بالتكلفة والشروط والأدوات المناسبة. كما إن هناك حاجة لتغيير معايير منح القروض والتسهيلات الائتمانية المرتبطة بالرهونات المتوفرة من الأراضي والمباني. وثمَّة حاجة أخرى لاستعادة قوة الجدارة الائتمانية للسلطنة والتي ترتبط بها تكلفة الحصول على أموال من الخارج سواء للحكومة أو القطاع الخاص بما فيها البنوك على التصنيف الائتماني، ويسهم بدور محوري في تخفيض تكلفة التمويل وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتسويق الفرص الاستثمارية وبيئة الأعمال.
ختامًا.. إنَّ الحاجة ملحة لتحقيق توازنات دقيقة وعاجلة بين إحراز مكاسب سريعة للميزانية العامة والاستدامة المالية جراء رفع الرسوم والضرائب في مختلف المجالات من جهة، وبين تعزيز تنافسية القطاع الخاص من خلال تخفيض الكلف التشغيلية وكلف عناصر الإنتاج بشكل عام، من جهة أخرى؛ حيث إن الاستمرار في إغفال أحقية هذه التوازنات قد تصيب تنافسية القطاع الخاص، وذلك على حساب فوائد اقتصادية طويلة المدى لتحقيق الاستقرار والنهوض بالقطاع الخاص.