خلية النحل

 

وليد بن سيف الزيدي

إنَّ أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ عند قراءته أو سماعه عبارة خلية النحل هو الإشارة إلى العمل الجماعي المصحوب بالحركة والتفاعل والنشاط المستمر والإيجابي، الذي من خلاله يتم تحقيق الهدف المنشود من هذا العمل وهو إنتاج العسل ذي الجودة العالية. من هنا أردتُ أن أشبه دور المتعلم (الطالب) في الموقف التعليمي بخلية النحل من حيث ضرورة التركيز على أدواره في التفاعل والحركة والنشاط المستمر والإيجابي في الموقف التعليمي وبما يضمن تحقيق الأهداف المرجوة من هذا الموقف وبشكل يشمل جميع المتعلمين أثناء تنفيذ الموقف التعليمي سواء أكان ذلك في المدرسة أو الجامعة.

ولتبسيط الموضوع أريد أن أشير إلى ضرورة التركيز على جانبين أثناء تنفيذ الموقف التعليمي أو التدريسي وهما: أدوار المتعلم والزمن اللذان ركزت عليهما نظرية التعلم النشط (قطامي، 2004). وهما مرتبطان ببعضهما البعض، بمعنى أن أدوار المتعلم المتعددة تحتاج إلى الزمن الأكبر في الموقف التعليمي مُقارنة بدور وزمن المعلم في نفس الموقف؛ حيث يُعطى المتعلمين الفرصة الكافية في ممارسة أدوراهم من الحوار والمناقشة واستخراج الأفكار والتفكير الناقد والإبداعي والعصف الذهني وتحليل النصوص والخرائط والصور والأشكال والربط بين الأسباب والنتائج وإدراك العلاقات بين الظواهر والبحث عن المعلومات وإبداء الرأي وتقديم الحلول والمُقترحات والأفكار حول المواضيع المطروحة في الدرس التعليمي.

طيب.. ولكن أين دور المُدرس أو المُعلم في الموقف التعليمي؟

نعم.. يبقى المعلم هو سيد الموقف في إدارة وضبط وتوجيه طلابه والإشراف عليهم ومتابعة أنشطتهم وتقديم التغذية الراجعة لهم وتحفيزهم وتشجيعهم وتعريفهم بأدوارهم في الموقف الصفي وكيفية القيام بها وغرس القيم والاتجاهات التي تتناسب مع الدين الإسلامي والأخلاق العالية والولاء للوطن والسلطان وحب الخير.

فعمومًا الفكرة العامة لهذا المقال أيها الإخوة الأعزاء تدور حول ضرورة الخروج في الفترة الحالية والقادمة من دائرة التلقين من المُعلم إلى المتعلم والتي استمرت لفترة طويلة من عمر مسيرة التعليم في مجتمعاتنا العربية، والتي عادة تُعطي المعلم الدور الأكبر من حيث الزمن وتقديم المعلومات والمعارف أثناء الموقف الصفي ويكون المتعلم هنا مستقبلًا لها فقط. وهذا ما لا يتناسب في الوقت الراهن؛ نتيجة تطور العلم واستراتيجيات التعليم والتعلم يومًا بعد يوم، والتي تركز على ضرورة تفعيل دور المتعلم بشكل أكبر في المواقف التعليمية المختلفة؛ وذلك لما له من آثار إيجابية على فكر وقدرات المتعلم.

ربما أحد يسأل لماذا تقول هذا الكلام الآن ولم تقله من قبل؟

سؤال جيد.. ويمكن أن تختصر إجابته في أن العلوم والمعارف في تطور وتغير دائم يا أخي العزيز؛ وبالتالي من الجيد أن نكون نحن القائمين على التعليم المدرسي والجامعي قادرين على مواكبة ومسايرة هذا التغير الإيجابي والذي يتوافق مع أهداف هذه المرحلة من مسيرة التعلم والتعليم في عُمان والعالم، وهي التركيز على تنمية قدرات ومهارات المتعلم مقارنة بالمعرفة التي أصبحت متاحة بشكل أكبر من السابق من خلال مصادرها المتعددة والمختلفة، والتي يمكن للمتعلم أن يرجع إليها في الزمان والمكان اللذين يناسبان ظروفه؛ حتى بذلك نستطيع تحقيق النتائج المُتوقع حدوثها فيما إذا أحسنَّا التخطيط الجيِّد في رسم أهداف هذه المرحلة مما يوفر لدينا الكثير من الأوقات والجهود والأموال. وربما أقول هذا الكلام لسبب ثانٍ يتمثل في إمكانية وإتاحة الفرصة لي بأن أقوله في هذا الوقت؛ بحكم أنني أعيش هذه التجربة وأدرك جيدًا أهمية ضرورة التركيز على أدوار المُتعلم خلال مسيرة التعليم داخل الوطن العزيز عُمان.

وربّ سائِل آخر يقول: من الصعب يا أخي تنفيذ هذه الأدوار في ظل عدد من الظروف كالمنهج، وعدد الطلاب داخل الصف أو القاعة الدراسية، وعدم كفاية الوقت المخصص للدرس التعليمي، وضعف الإمكانيات المُتعلقة بالأجهزة والأدوات والوسائل وشبكة الإنترنت؟

فأقول لك يا أخي العزيز: إذا كنت تؤمن بهذا الكلام وأهميته الذي تم طرحه في هذا المقال، ولديك القناعة من داخلك بأهميته في تنمية قدرات ومهارات المتعلم ليس فقط على المدى القريب وإنما حتى ما بعد التعليم المدرسي والجامعي؛ فإنك ستعمل على تذليل تلك العقبات بما يتناسب مع الظروف والإمكانيات المُتاحة لك وبما يحقق تفعيل أدوار المتعلم في الموقف الصفي، فأنت يا أخي سيد الموقف.

طيب كلام جيد.. فهل يمكن أن يكون لولي الأمر دور في تعزيز أدوار ابنه؟

نعم يمكن ولكن هنا تكون في مواقف الحياة العامة من خلال إعطائه الفرص في مُمارسة تلك المواقف الحياتية خلال مراحل حياته المختلفة وبجوانبها المتعددة وتحت إشراف وتوجيه والديه.

نعم.. فهل يمكنك أن تذكر لنا بعض المواقف من حياتك التعليمية في ممارسة أدوار المعلم والمتعلم ضمن نظرية التعلم النشط وأنت تكتب عنها اليوم؟

نعم يُمكنني ذلك؛ حيث حدثت لي هذه المواقف التي سأذكر بعضها في الزمن القريب من الآن عندما أتيحت لي الفرصة- ولله الحمد- في استكمال الدراسات العليا وبالتحديد في الفترة من (2018 -2020).؛حيث كان بعض الأساتذة الجامعيين إذا دخلوا علينا فأول كلمة يقولونها لنا: "نحن سعداء بوجودنا بينكم"، وهي بذلك نوع من التعزيز والتحفيز لنا والذي يعتبر من أدوار المعلم داخل الموقف التعليمي النشط. كما كان يردُ علينا البعض منهم عندما نطلب منهم تقديم معرفة ما حول موضوع ما بعبارة "اِنسْ ذلك". وبذلك كأنَّه يقول لنا انسوا أن أعطيكم تلك المعرفة التي طلبتموها على طبق من ذهب؛ بل عليكم أن تذهبوا وتبحثوا عنها بأنفسكم. نعم هكذا كان يقصد الأساتذة في توجيهنا إلى القيام بدور المتعلم في ظل استراتيجيات التعلم النشط التي من شأنها أن تنمّي قدرات المتعلم ومهاراته حتى يُصبح قادرًا على التغلب على العقبات التي يمكن أن تواجهه في مسيرته العملية والحياتية.

وهكذا كان موقفهم أيضًا في الإشراف على رسائل الماجستير عندما كنَّا نذهب إليهم من أجل تلقي التغذية الراجعة حول موضوع البحث، كانوا لا يعطونا الإجابة الصريحة وإنما كانت تُطرح علينا تساؤلات عديدة حوله، ويُطلب منِّا إبداء الرأي حول هذا العمل. فكان هذا الأمر أيضًا يدفعنا إلى التقصي والبحث وزيارة المكتبات مرات عديدة وسؤال من سبقنا في مرحلة الدراسات العليا.

وبذلك كان يتحقق غرس وتعزيز العديد من أدوار المتعلم في ظل نظرية التعلم النشط بشكل غير مباشر في أنفسنا ودون أن ندرك ذلك في حينها؛ حتى أصبح أحد طلابهم اليوم يكتب عددًا من المقالات التي تهدف إلى طرح بعض الأفكار والمقترحات والتجارب في مواضيع محلية ودولية عديدة والتي يمكن الاستفادة منها والأخذ بها والإضافة عليها والعمل على تطويرها بما يتناسب كل حسب ظروفه وإمكانيته وقدراته. وهذا المقال دليل آخر على قدرة الكاتب في التعبير عن تلك المواقف الأصيلة والمخلصة التي تؤمن وتعمل على تنمية قدرات طلابهم على المدى القريب والبعيد، فجزاهم الله عنا خير الجزاء.

نعم.. هكذا يجب أن يكون التعليم المدرسي والجامعي لدى طلابنا اليوم وغدًا وبعد غدٍ كخلية النحل من حيث التركيز على أدوارهم في المواقف التعليمية التعلمية.

فما رأيك يا أخي العزيز أن تجرب تطبيق أدوار المتعلم النشط وإعطاءه الفرصة الكافية لذلك في الموقف التعليمي القادم حسب الإمكانيات المتاحة لك؟ ثم تقارن بينه وبين الموقف التعليمي التقليدي من حيث مدى استفادة المتعلم؟

والله الموفق..

 

 

تعليق عبر الفيس بوك