الكمان والعازف!

عائض الأحمد

يقول صديقي الموسيقي الشهير هل تعلم بأنَّ حب حياتي هي هذه الآلة الوترية (الكمان أو الكمنجة)، منذ صغري وأنا أحلم بها وأتوق شوقاً أن ألمسها وأطبق عليها ممسكا بمصدر أنغامها وأصوات أوتارها الذائبة عشقاً بين أصابعي بإحساسها المتناهي رقة وعذوبة، كل مرة أمسك بها تختلف عما قبلها، أضع يدي على خصرها وأقبلها، قبل أن تكون أقرب من حبل الوريد، ثم أطلق لها العنان فتغذي روحي المنهكة وتمكنها من ارتشاف ألحانها، وكأن حياتي بين أوتارها ولم تكن بين يدي.

هذه الأنثي الوحيدة التي أحببتها بكل ما تعني كلمات الحب، ليست آلة كسابقيها بل روح متقدة باعثة على الفرح. يستفزك البعض بهذه الرومانسية المعقدة ويجعلك تستحضر أرواحاً غابت رغم حضورها، فعندما تتباين المشاعر وتنخفض حدة تعلقها، وتلاقيها، يكسوك طيف بارد يسقيك مرارة انفصالها الروحي، بين هفوات اللامبالاة، وتقلب أطرافها، طرفه لك، وعشرات خارج ما تصبو إليه.

قد تألف شيئًا يمقته العابرون فتنتشي، ويظل ارتيابك تسأل ولما أنا دون أُولئِك، كمن يسقى المارة وهو يموت خلف سراب يتبعه قاصدًا نهاية مطاف لن ترمقه عيناه ولم يشاهده عراف من قبل.

حاضن الحب خالي العيوب في رقته، يقسم الواحد عشرة، ويهب الكل في حضرته واحد لاغير، ينكفئ في صومعته ليس من يسمعه عالم مقصده، ينزل الخطايا يبرئ العاشق، يدندن عندما يقترب ثم يصدح طربا فيميل بأغصان سمار الفن وعشاق "الكمنجة".

فاتح الأكمام ميسور الرضا يحبس الأنفاس فقط، ويهب كل من حوله الأشياء، رقة تسمو على خد السماء، لهفة عشاق تتبارى أوتار الحياة في لذتهم، سيمفونية وقائد "أوركسترا" وأربعة أوتار تخفي الكثير في يد العازف والكمنجة. مشاعرها أحجية الطامعين، ونقاء معدنها لن تستطيع خدشه، كرائحة أنفاس الهوى، وألق الصبايا بعد ساعات الضحى، عائدين بما حملته أكتافهم وكأن الطرقات خلقت لهم.

طروب لعوب تسامرك فيجفاك الكرى، خدها نجم تعالى، زادها نفحات ترى، قاصد الزلات يحسب مدها، وجابر العثرات يعفو، كلما انصت أو لامست أصبعه وتر. طالتها يد أحدهم خفية، فلم ينل مراده وتكسر القوس قبل أن يدنس أوتارها.

"كتبت باسم صاحبها ونالت درسه وتلخصت في يوم عاصف، وأنثنت تجمع شتات أوراقها، ثم أقبلت، هل لي بأجمل عازف؟!".

كالورد كالريحان، خصبة كالأرض، صافية كالسماء، طافية بخفة، ثقيلة في بعدها، من أنت يا لحن الهوى؟!!

ختامًا.. الألحان يخلقها المبدعون ويتذوقها العشاق فقط.

ومضة:

الاعتذار نقطة بيضاء، في صفحات قاتمة.

يقول الأحمد: كانت معي يومًا فظننتُ أنه كل الأيام.