علي الرئيسي
باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية
تعرض منصة نتفليكس "Netflix" حاليًا مجموعة من الأفلام الفلسطينية. من ضمنها فيلم "3000 ليلة"، للمخرجة الفلسطينية مي المصري، وهي سينمائية فلسطينية درست الإخراج والتصوير في جامعة سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة، وأخرجت مجموعة من الأفلام التي حازت على أكثر من 90 جائزة دولية.
وفيلمها "3000 ليلة" الذي أُنتج في عام 2015، عُرض في مهرجان تورنتو السينمائي وحاز على أكثر من 28 جائزة. وعرفت مي المصري بأفلامها التي تركز على معاناة الأطفال والنساء وتوثق لذاكرة الإنسان والمكان بأسلوب إنساني وشاعري منها فيلم "33 يوما"، و"يوميات بيروت"، و"أحلام المنفى"، و"أطفال شاتيلا"، و"امرأة في زمن التحدي"، و"أطفال جبل النار". وأخرجت مجموعة من الأفلام المشتركة مع زوجها الراحل جان شمعون منها: تحت الأنقاض، وزهرة القندول، وبيروت -جيل الحرب، وأحلام اليقظة.
في فيلم "3000 ليلة: تعكس مي المصري مُعاناة المرأة الفلسطينية من خلال قصة حقيقية لسيدة تضع مولودها داخل أحد السجون الإسرائيلية؛ وهي مقيدة بالسلاسل إلا أن هذا الموقف قد يكون نقطة تحول نحو الأمل وليس القهر بالنسبة للسيدة. ويروي الفيلم قصة المعلمة الشابة "ليال" التي تعيش حياة زوجية هانئة في مدينتها المحتلة نابلس بالضفة الغربية، قبل أن تتبدل حياتها بعد توقيفها من قبل القوات الصهيونية بتهمة مساعدة مراهق فلسطيني مشتبه بأنه شنَّ عملية فدائية على نقطة تفتيش إسرائيلية.
يأخذنا الفيلم طوال ساعتين إلى حياة السجينات الفلسطينيات القادمات من عالم المقاومة والعمل السياسي، وإقامتهن مع سجينات إسرائيليات حوكمن بتهم جنائية خطيرة. وفي السجن تكتشف ليال أنها حامل وسرعان ما تتعلم أن الاستسلام والانهيار والعوامل النفسية المدمرة التي تعيشها لن تفيدها بل عليها أن تتسلح بالقوة والإرادة. ومع الوقت تتعرف الشابة إلى نفسها أكثر وتواجه مصيرها متمسكة بالأمل ومتضامنة مع السجينات الأخريات اللاتي فهمن باكرا أن اتحادهن هو سلاحهن الوحيد لمُحاربة ما يواجهن من قمع. وعندما تنجب البطلة ابنها "نور" داخل السجن، وهي مقيدة بالسلاسل يعيش المشاهد حياتها اليومية مع طفلها في لقطات جمعت بين الواقع المرير ومشاعر الأمومة.
وتم تصوير الفيلم في أحد السجون في مدينة الزرقاء، على مقربة من العاصمة الأردنية، وعملت المخرجة وفريقها على تجهيز المكان ليكون انعكاسا حقيقيا لسجن إسرائيلي.
وتقول المخرجة عن تجربتها في هذا الفيلم الذي هو فيلمها الروائي الأول في مقابلة لها مع "العربي الجديد": "بالنسبة لي، هناك فارق كبير بين الروائي والوثائقي، وهذا العمل هو تكملة لتجربتي في الأفلام الوثائقية، على خلفية أنه مستوحى من قصة واقعية صادفتها خلال عملي في فيلم وثائقي آخر". يتيح الفيلم الروائي الكثير من الحرية الإبداعية، خاصة فيما يتعلق بالبناء الدرامي للقصة. وإن كان في الفيلم الوثائقي الكثير من الإبداع. وعلى الرغم من أن الأحداث تدور حول قصة بعينها فإننا نضع الخاص في سياقه الأكبر الاجتماعي والإنساني، خصوصا المُعاناة تحت الاحتلال.
وحول سؤال عن قضية الإنتاج السينمائي، والأجندات التي يمكن فرضها، ليس فقط على المستوى السياسي؛ بل كذلك على المستوى الجندري (من حيث النوع)، تقول مي المصري: "هذا العمل، المُنتِجات نساء، وكذلك أغلب الممثلين في الفيلم من النساء والأدوار الرئيسية هي لنساء، وإنتاج فيلم من هذا القبيل صعب وموضوعه حساس. والفيلم إنساني بالدرجة الأولى حتى لو كان سياسيًا. وهذا يحد من فرص الحصول على إنتاج. لذلك أكثر المخرجين المستقلين يضطرون للحصول على تمويل ذاتي وعائلي أو تمويل شعبي، وكان من الصعب الحصول على تمويل وخاصة في غياب قاعدة أو بنية تحتية وسياسة ثقافية إنتاجية كما هو الحال في فلسطين".
وتقول مي المصري- وهي ابنة ثري فلسطيني من نابلس هو منيب المصري، وأم أمريكية من تكساس ولدت في عمَّان، وتربت في بيروت، وعاشت معظم حياتها هناك، ودرست السينما في سان فرانسسكو في ولاية كاليفورنيا- إنها واجهت تحديات كبيرة ليس فقط لكونها امرأة، ولكن كصانعة سينما مستقلة، خاصة في ظل إمكانيات ضعيفة جدًا. وتضيف أنها كانت محظوظة؛ حيث عملت مع الراحل جان شمعون والذي أصبح زوجها لاحقًا؛ حيث عملا في فترة تاريخية شديدة الصعوبة وذلك أيام الاجتياح الإسرائيلي لبيروت.
وترد على سؤال في مقابلة لها مع "VICE": هل بالضرورة أن يكون المخرج صاحب موقف سياسي يظهر في العمل الفني؟ فتقول "إن المخرج لابُد أن يكون لديه موقف إنساني وليس بالضرورة سياسيًا، عليه فقط أن يمتلك وجهة نظر إنسانية وبلا شك انحياز للناس، وهذه هي السينما وخاصة عندما تصنع أفلامًا تسجيلية؛ حيث العمل في الواقع مع الناس يجعلك تنقل همومهم وقضاياهم الاجتماعية والإنسانية والسياسية. بالنسبة الي الموقف السياسي كان خيارا شخصيا، كوني فلسطينية أكيد بِدي أحمل قضيتي، وفلسطين هي قضية سياسية إنسانية".