لا أرضاها أبدًا

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

شاء الله تعالى أن تطأ قدمي يوماً ما مكانا يتسابق إليه الراغبون في التَّسوق وكذلك أؤلئك الذين يبحثون على التجوال في البرادات السياحية المُغلقة والتسوق فيها، وأعني هنا المولات والمراكز التجارية التي انتشرت في عرض البلاد وطولها، ولربما منكم من زار تلك الأماكن التي لا أحب الذهاب إليها مطلقاً بدون عمل ما، فلا تروق لي أبدا، إلا لسبب قاهر يجعلني أدلف إليها، ويضطرني أن أمضي صوبها.

وحقيقة بعدما ذهبت إلى ذاك المكان شاهدت أمراً ينفطر له الفؤاد، ويحزن له القلب، ولعمري إنه يتكرر بشكل يومي، لطالما الأحوال التي نعايشها كما هي، فالذي يخشى على دينه ونفسه من الفتنة أو أن تقع عينه على هنا وهناك حرم عليه، لا يسمح بحدوث تلك الظاهرة والمشاهد والمواقف مطلقًا، ولا أتصور أنه يأخذ أفراد عائلته وأسرته للتنزه في ذلك المكان، وأن أخذهم سيكون الأمر مختلفاً عما شاهدته.

فالرجل الذي لا يعتاد الذهاب إلى تلك الأماكن، لا ريب أنه سيكون ليس من هواتها وروادها، وهنا بناءً على ما شاهدته وتعليقاً عليه، أود أن أتساءل أين الأبوان من النصح والتوجيه والإرشاد والرقابة لهن، وأين هو من اصطحاب من هم تحت إمرته إلى تلك الأماكن بنفسه وعدم السماح لهن الذهاب بمفردهن لما فيه من مخالفات شرعية وأوامر ربانية ونواهٍ من لدن رب العزة والجلال.

فإن كان هناك داعٍ أن تذهب فلذات الأكباد بمفردهن إلى البرادات السياحية المغلقة وغيرها من الأماكن العامة، ألا يجب توجيههن بارتداء اللبس المحتشم واصطحاب محرم لديهن.

وإن كان الوالدان قد نصحا ووجها، فكيف يا أختي تعصين والديك وربك جلَّ جلاله، وتجعلي نفسك في موضع الشبهة والقيل والقال، ألا تعلمين أن والديك تعبا عليك ويريدانك نموذجاً راقيا ومشرفا في الأخلاق والحياء والتربية.

ما شاهدته أنهن مثنى وثلاث ورباع، يتجولن في تلك الأماكن ذهابا وإيابا بمفردهن دون محرم واللباس يبدي الكثير والكثير، ناهيك عن الحركات والمشية، والآخرون عليهن سيرة وإيابا، يرتدن تلك المقاهي والمطاعم بمفردهن، ويجلسن في مكان تبعدهن خطوة واحدة عن الشباب، يتبادلون معهن النظرات والهمسات والغمزات واللمزات، في مشهد ذهب بالحياء، ويعجل بغضب الله علينا جميعًا.

في هذا المقام أتذكر قصة قرأتها عن شخص ما اصطحب زوجته في قطار وهي بملابس تبدي نصف جسدها، فأخذ الموجودون ينظرون إلى زوجته فثارت ثائرة ذاك الذكر، وقال للرجل ما بالك تنظر إلى زوجتي هذه النظرات المريبة، فرد عليه أحدهم بأنك أنت من أتيت بها هكذا لنتفرج عليها، وهذه دعوة صريحة وعلنية منك لنا، أن نتفرج عليها، أفليست الحلاوة عندما تغطى لا يقربنها الحشرات كالنمل وغيره، فأعطاه درساً في الغيرة على العرض والشرف ومن نعول.

أقول يا ولي الأمر ويا أيها الأب والأخ  المربي الفاضل، إن كنت لا تعلم ما يحدث فتلك مصيبة، وإن كنت تعلم ولا تحرك ساكناً فالمصيبة أعظم واشد، فتركهن يذهبن هكذا في المولات بدون حسيب ورقيب أمر بالغ الخطورة، ووالله سنسأل عنه يوم القيامة وعن ما ضيعنا من فلذات أكباد، وتفشي هذه الظاهرة في المجمتع وفي الكليات والجامعات ومقار العمل وغيره، ينذر بأمر خطير، وفيه ما فيه من الأفعال السيئة.

واتذكر أيضاً أن ذهبت يوماً لاستخراج شهادة بدل فاقد لأحد أبنائي، وطلب مني الموظف نسخة من بعض الأوراق، فخرجت أبحث عن مكان أنسخ فيه تلك الأوراق، وكان الوقت صباحًا، فوددت قبل نسخ الأوراق أن أشرب الشاي، فوقعت عيناي على لوحة مكتوب عليها مقهى، ولأنه قريب من مؤسسة خدمية، ظننته مقهى عادي كالتي في الحواري فدخلت، وإذا بي أرى مجموعة منهن في طاولة، وما شاء الله عليهم في طاولة أخرى يناظرون بعضهم البعض وهواتفهم الجوالة، وضحكاتهم تعلوا هنا وهناك.

فأخذت نفسي وخرجت وتساءلت أيعقل هذا الذي يحدث في بلدي، هل نهاية الثقة هنا، فلا إله إلا الله إن الخبث قد كثر.

من خلال هذا المنبر أقول كلمة حق سأقف بها أمام ربي تعالى يوم القيامة وسيسألني عنها، وهي أن ما يحدث ما يجب أن يحدث أبدا، وزحف المنكر إلى مجتمعاتنا عن طريق أهل الأهواء والشهوات دون التصدي له بالردع، سيجعل المنكر يتأصل، وبعدها سيكون النزوع عنه أمراً عسيراً.

فيا إخوتي "عين ما شافتك ما لامتك"، وتغييرنا للمنكر واجب على كل شخص منّا، نعم أنا هنا لست في موضع مغير لأي شيء، ولكن أذكر نفسي وإياكم بذاك الحديث الذي يقول "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذاك أضعف الإيمان.

وأعلم بأنه قد يقول قائل أنت ليس لك علاقة بما يحدث، أو الناس أحرار فيما يفعلون فلا تتدخل، وأرد على هذا وذاك بأنه يا أخي كلامك مردود عليك فربنا تبارك وتعالى قال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).

أقول لكل أب وزوج وولي أمر اتق الله في نفسك وفيما ائتمنك إياه المولى عز وجل، فالذئب يأكل من الغنم القاصية. ففي أوامر الله عز وجل ونواهيه حفاظ عليك يا من تقربين النسب وتضيعينه، فيا أخي اتق الله فيما عندك فهي أمانة ينبغي أن تصان.

نعم هناك أولياء أمور ربوا وأدبوا ويحسنون الظن فيما ائتمنوا عليه، وينبغي منهن مراعاة ذلك وتلك الثقة، فتلك المجاميع التي تنساق من المؤسسات التعليمية ومقار العمل والوظيفة إلى تلك الأبنية والمقار والمقاهي والبرادات بتلك الملابس والأحوال، باتت تعطي صورة سيئة عن المجتمع العماني المحافظ، لذا وجب التنويه والتدخل، وإلا ستحل علينا مصائب عواقبها وخيمة وستنهك كاهل البلد لا محالة، وسيضيع فيها كل شيء.

تعليق عبر الفيس بوك