قراءة في آفاق الاقتصاد بالشرق الأوسط

علي الرئيسي

باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية

أصدر صندوق النقد الدولي تقريره حول أهم التطورات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بتاريخ 19/10/2021، والذي عبر فيه الصندوق عن هشاشة التعافي الاقتصادي في المنطقة.

ورغم أن التقرير يزعم وجود تحسن للمؤشرات الكلية للاقتصاد خلال هذا العام، إلا أنه يشير إلى تحديات كبيرة تواجه اقتصادات المنطقة: منها التباين في النمو بين الدول الغنية والدول الفقيرة، احتمال ظهور متحورات جديدة للفيروس، نسب التلقيح المتدنية نسبيًا في المنطقة، وتزايد المخاوف من الضغوط التضخمية. إن ارتفاع نسب التضخم الذي ساهم في تراجع الحيز المتاح للسياسة النقدية، سيفرض كذلك وضعا صعبا أيضاً للسياسة المالية في المنطقة.

يتوقع التقرير أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سينمو بنسبة 4.1% في عام 2021، بينما يتوقع أن يكون النمو بنفس النسبة في عام 2022. ويتوقع الصندوق أن الدول النفطية في الشرق الوسط وشمال أفريقيا سيصل معدل نموها الحقيقي 4.6% في عام 2021 وسينخفض إلى 4% في عام 2022. وتشير التوقعات بأن نمو القطاع غير النفطي سيسجل 3.8% في 2021، وسينخفض إلى 3.3% في عام 2022.

أما بالنسبة لدول مجلس التعاون فإن تقديرات الصندوق تشير إلى نمو حقيقي للناتج المحلي الإجمالي سيبلغ 2.5 % في عام 2021، وسيرتفع النمو إلى 4.2% في عام 2022؛ حيث يقدر نمو القطاعات غير النفطية 3.8% في عام 2021 وسينخفض هذا النمو إلى 3.4% في عام 2022.

ومن المتوقع أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسلطنة سيسجل نموًا سيبلغ 2.5% في عام 2021؛ أي سيبلغ حوالي 80.61 مليار دولار، أما بالنسبة لتعادل القوة الشرائية (Purchasing Power Parity) فإن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية سيصل إلى 147.79 مليار دولار، وأن يصل معدل دخل الفرد إلى 17.63 ألف دولار سنويًا.

ويعزى النمو الاقتصادي في الدول النفطية بما فيها السلطنة إلى تحسن أسعار النفط وإلى تعافى الطلب العالمي. حيث من المتوقع أن تظل أسعار النفط في حدود 90-80 دولار خلال العامين القادمين، وإلى استعادة النشاط الاقتصادي بعد أن وصلت نسب التلقيح في مجلس التعاون إلى مستويات مقبولة؛ حيث بلغ معدل التلقيح 40% من عدد السكان، وأن ترتفع هذه النسبة إلى 70% بنهاية 2021.

ويشير التقرير إلى أن نمو الناتج المحلي الحقيقي سيظل دون توقعات ما قبل الجائحة، مما سيؤدي إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء. ومن المتوقع أن يتراجع عجز المالية العامة في السلطنة إلى 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021. وأن يظل العجز المالي في المنطقة على المدى المتوسط متجاوزا نسبته قبل الجائحة. إن كلا من السياسة النقدية والسياسة المالية ستواجه تحديات حقيقية. حيث سيسجل التضخم في السلطنة حوالي 3% حسب توقعات التقرير في عام 2021. أما عجز الحساب الجاري فمن المتوقع انخفاضه إلى 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد ساهم ارتفاع النفط وزيادة الصادرات في تعزيز المركز الخارجي للبلد وتحسن ميزان المدفوعات.

من التحديات التي يثيرها التقرير هي زيادة معدلات التضخم بشكل مزمن، ويمكن أن ينشأ ذلك من النقص المستمر في العرض العالمي، واستمرار ارتفاع أسعار الغذاء. فإذا استمر التضخم في الارتفاع فقد يدفع ذلك البنوك المركزية إلى رفع سعر الفائدة المحلية، مما سيؤثر سلباً على التعافي الاقتصادي الهش وخاصة في غياب الحيز النقدي للسياسة النقدية.

إنَّ زيادة أسعار الفائدة العالمية قد يؤدي إلى زيادة خدمة الدين العام، إضافة إلى أن ذلك سيؤثر سلبًا على القطاعات الأكثر فقرًا في المجتمع مما سيؤدي إلى تفاقم مسالة التفاوت في الدخل وعدم المساواة التي يحذر الاقتصاديون منها، والتي ستكون عائقاً أمام النمو الاقتصاد على المستوى البعيد، وسببا في الاضطراب الاجتماعي والسياسي. بالنسبة لأسواق العمل، فإن التقرير يشير الى ضعف مستويات التوظيف حيث ستظل دون مستويات ما قبل الجائحة. وتبدو حساسية أسواق العمل تجاه الأوضاع الاقتصادية نطاقها محدود في العديد من بلدان المنطقة ولاسيما خلال فترة الانتعاش. وهذا يعكس ارتفاع نسب البطالة في القطاع غير الرسمي نتيجة للاختناقات الهيكلية.

ويشير التقرير إلى أن الوظائف المفقودة أثناء الجائحة قد يستغرق استردادها بعض الوقت.

من الصعب على نسب النمو الحالية أن تؤثر على التوظيف بنسب حقيقية، فدول الخليج مثلا تحتاج إلى نسبة نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي حوالي 10% ليكون هناك تأثير مهم على نسب التوظيف حسب دراسة الصندوق.

أما بالنسبة للأنظمة المصرفية فيشير تقرير الصندوق، إلى أن بنوك المنطقة عمومًا وبنوك مجلس التعاون خاصة تتمتع بملاءة ورأسمال جيد، كما أن القروض المتعثرة لا تزال قليلة. وقد عززت البنوك هوامش الأمان في مواجهة مخاطر الائتمان والسيولة وهوما يعكس السياسات الكلية الداعمة. غير أن هناك تحديات بالنسبة لانكشاف هذه المصارف لبعض الشركات التي لا تزال تعاني من آثار الإغلاقات أيام الجائحة، وقد يشكل تعثر ديون هذه الشركات في زيادة نسب القروض المتعثرة.

ولا ينسى التقرير أن يذكرنا بالتكيف مع تغير المناخ وتخفيف الانبعاثات، وضرورة وضع خطط وطنية للتكيف مع تغير المناخ وتخفيف الانبعاثات وإدارة المخاطر الانتقالية وخلق فرص للاستثمار الأخضر، و أهمية زيادة التعاون الإقليمي.