سحابة مُثقلة بالأسئلة.. فأين الإجابات؟!

مدرين المكتومية

سحابة مُثقلة تُمطر أسئلة فلسفية- أو قل وجودية- داخل رأسي، كلما تأملت الحياة، وكلما تفكرت في واقعها القاسي.. هل الحياة التي نعيشها هي تلك التي خططنا لها ذات يوم؟ هل نحن كما أردنا لأنفسنا أن نكون؟ هل ظل معنا كل أولئك الذين التقيناهم ورغبنا في بقائهم معنا طول العمر؟ هل يمكن أن يظل المرء على ما هو عليه، أم أن الحياة التي نعيشها عبارة عن قصة طويلة لا نعلم خاتمتها إلا إذا وصلنا إلى صفحتها الأخيرة؟

إجابة كل هذه التساؤلات تتلخص في عبارة بسيطة جدًا وهي أننا ننشأ في هذه الحياة وتحدونا أحلام شاهقة، وأمنيات كبيرة، ولحظات سعادة غير متوقعة، ونتخيل أننا نعيش الحياة كما نراها في الأفلام الرومانسية واللحظات المفعمة بالحب دون أن نتذكر أنها أيام العمر.

نعتقد ونحن نمر بمنعطفات الحياة، أننا بعد هذا المنعطف سنصل للطريق الذي نريد، دون أن ندرك أن ذلك المُنعطف لربما هو الأول فقط وأن أمامنا الكثير من التحديات والعقبات والممرات الخاطئة التي سنسلكها لنتبين الحقيقة ولنصل لما نريد ونتمنى، أي إنسان في هذه الحياة يعتقد أنَّه ولد بهذا القدر الذي يُحيط به، ولكن الحقيقة هناك أقدار كانت سبباً من أسباب التغير، من أسباب البدء نحو مسارات مختلفة، البدء نحو حياة لم نتوقعها ذات يوم.

منذ يومين ظهر أمامي مقطع فيديو قصير عبر الهاتف لضيف في أحد البرامج، وسأله المذيع: ما ردة فعل أسرتك عندما علموا أنك جنيتَ أموالاً طائلة؟ قال: جميعهم استقالوا من أعمالهم، ورددوا أنهم لم يعودوا بحاجة للوظيفة، قائلين: "لقد أصبحنا أغنياء".. لكنني قلت لهم عودوا لوظائفكم، أنا الذي أصبحت غنيًا وليس أنتم! عودوا لأعمالكم قبل أن تفقدوها؛ لأنني أنا من يجني هذا المال، وهذا يعني أنكم لازلتم بحاجة لوظيفتكم....". استوقفني كثيرًا هذا المقطع القصير، ولكنه في الوقت نفسه أبهرني جدًا، خاصة في فكرة أن تتحول حياتك بين يوم وليلة من شخص عادي إلى شخص ثري، والكيفية التي يُفكر بها من حولك تجاه ما تملك أو ما ستحصل عليه، كما إنني توقفتُ عند اللحظة التي يختار فيها الشخص أن يصبح عالة على غيره؛ كونه فقط يشعر أن الآخر مسؤول عنه!

الحديث عن اللحظات القدرية "السحرية" التي تحول حياتك في لحظة مُعينة وزمن معين، من شخص عادي إلى شخص ثري بفعل موهبة يمتلكها، أو شخص آخر ساعده، أو تلك اللحظة التي تقامر بها ببسالة وأنت ضامن أنك ستكسب الرهان، وتلك نقطة فارقة من عمر الزمن الذي عشته والتي قد تأتي متأخرة، لكنها جاءت لتختتم كل ما عشته من فترات يأس وقنوط؛ لتنقلك بكل سهولة إلى حياة جميلة، وصباحات رائعة.. حياة لا تحتاج فيها لأن تبحث عن السعادة، فهي دائمًا متاحة ومهيأة لك.

لكن عندما نقف عند قدر أحدهم، علينا أن نفكر في النظرة التي ننظر بها إلى ذلك الشخص، وكيف نتعامل معه، وكيف لنا أن نكون بالجبروت الذي يدفعنا لأن نفرض أنفسنا عليه وكأنه المسؤول عنَّا، برغم أننا نعلم جيدًا أن الحياة لم تكن سهلة ذات يوم معه، وأن ما وصل إليه نتاج لحظات صعبة وفترات عصيبة.. ولذلك أسأل: لماذا يطمع- أو حتى يطمح- شخص أو أشخاص لأن يتوقع أن يتولى شخص آخر المسؤولية عنه؟ أو أن يختار عنه طريقه ومساره؟ لماذا نكون بهذه الإتكالية؟ لماذا لا نحرص على أن نعيش حياتنا وفق المتاح لنا ونرضى بما قسم الله لنا وكتب؟

الحياة ستمنحنا بالتأكيد ما نستحق وما يُناسبنا، لكن بعد حين وبعد عطاء متواصل وإيمان داخلي بأنَّ ما نقوم به في إطار مسؤوليتنا وأيضًا واجبنا لأن نحيا حياة كريمة.

عندما أطرح هذه الفكرة، لا أعلم كيف سيفهمني الآخر، لكنني أتكلم وأشرح الفكرة وفق ما أعتقد أنه الصواب، ولا ينبغي لأي شخص أن يعتمد اعتمادًا كليًا على آخر أو أن يأكل من عرق شخص آخر، نظرًا لاعتقاده بأنَّ الآخر مسؤول عنه، ولا أن يعتقد أن عطاء هذا الآخر له واجب أو فرض..

ولذا أقول للجميع، ولكل فرد: حاول أن تختار الحياة الصعبة، الحياة المليئة بالتحديات، الحياة التي تشعر فيها بقيمة كل ما تمتلكه، حتى وإن كان شراء هاتف صغير من حُر مالك، أو أن تشتري أثاث غرفتك، أو ربما مستلزمات منزلك... أشياء صغيرة لكنها عميقه الأثر عندما تتعب عليها.

وأخيرًا.. الحياة لا تنتظر الكُسالى ولا تعطي الفرصة إلا مرة واحدة، فإن أهدرتها ضاعت عليك إلى الأبد، على كل فرد أن يحيا بجد واجتهاد وأن يفرح بما يُنجزه من عمل ولو كان ضئيلًا، وأن عدم تحقيق كل الرغبات لا يعني الفشل؛ بل إنها أقدار الله، ويجب أن نظل مُؤمنين بأنَّ هذه الأقدار خيرٌ لنا دائمًا.

الأكثر قراءة