وداد الإسطنبولي
شاغبنا شاهين فهزمنا المستحيل- بتوفيق الله وعونه- فنجحنا في المنحة الإلهية، وحققنا المُبتغى، فتنفسنا الإنجاز بالمثابرة والاجتهاد، وعلى أوتار الصبر المتقد، حققنا ما نريد، أو بالأحرى ما أريد لنا، وعلى السطور أريد أن أخرج كل ما بداخلي، فأنا لا أعرف شيئاً لأنني لم أرى شيئا، ولكن تعايشنا مع هذه المحنة من خلال الصوت والصورة.
في الواقع... عُمان شهدت -خلال الأيام الفائتة قصصا وحكايات مؤلمة، أوجع من إعصار شاهين بعينه، وما بين إغاثة واستنجاد، هبت المروءة الإنسانية، والأخلاق السامية القرآنية؛ حيث قال نبينا الكريم "وخير الناس أنفعهم للناس"، فتجاوزت السفينة العمانية محنة رياح شاهين العاتية، إلى بر أمان التربة العمانية النقية.
فكما شكرنا كورونا، نقول أيضاً شكرا شاهين فقد شهدت عمان أعظم درس للشهامة والإقدام. لكن لم أستطع أن أمسك الحروف فقد كانت تنزلق من بين راحتي، فشاهين إعصار وقوة إلهية وهبة من الله لابتلاء الصبر ولكن ماذا حل بعد أن خجل شاهين من العصارة ما بين أنين ومزمجر؟ وعاصفة ما زال ضجيجها يثير الزحام وأمطار ينهمر دموعها ثقال، فأخذت من أخذت ولا ندري ربما لترحم الضائعين.
ماذا بعد إعصار شاهين!
ملحمة عُمانية خالصة، تجسدت في أبناء عمان من أعلى الشمال إلى أقصى الجنوب، فعندما بكت عمان وقالت: "ولا الضالين"، قال الشعب: "آمين" فهل أتى هذا هباء منثورا؟ أم أنه تربية سقيت من منهج مدروس، وحرث متأصل جذوره، وها هو اليوم حصاده! فعندما أترك إرثاً عظيما خالدا، فلابد أن يكون إرثاً ليس لتلك اللحظة التي نراها من وسط أنوفنا، وإنما أدخره لمستقبل بعيد المدى، فهذا التكاتف وهذا التعاون والتلاحم والتآخي والمحبة بين هذا الشعب الأبي، ليس إلا منهجا مدروسا لمدرسة قابوسية ونهضة هيثمية أثارهما تظهر الآن معكوسا لجميع أطياف المجتمع، فأنا عندما أخشى الآن لا أخشى من عين إعصار شاهين، وإنما أخشى من عين الحسد، مما نحن فيه، من ألفة ولحمة واحدة، كأننا جسد واحد.
الآن... كل عماني يفتخر بعمانيته... الآن.. يتباهى العماني بما خصه الله من محنة شاهين، فحول المحنة الربانية إلى منحة متعددة المنافع، بصبره وتكاتفه، وبرسمه لوحات متنوعة ومتناغمة من الإيثار، وبسرده تفاصيل الإبداع في التكافل الاجتماعي، حتى بات العماني في محنته ومنحته أيقونة لامعة بين الأمم يشار لها بالبنان.