الأزمات والأعاصير.. دروس وعبر

 

 

سالم البادي (أبو معن)

 

كل حدث لا يكون إلا بمشيئة الله تعالى، والسلطنة تُعد من أكثر الدول في الشرق الأوسط والدول العربية قاطبة عرضة للأعاصير والعواصف المدارية، ويرجع مرد ذلك للموقع الجغرافي للسلطنة؛ حيث إنها تقع أقصى الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية، فسواحلها تمتد بامتداد بحر العرب طولا، وجغرافيا فإن بحر العرب يطل على المحيط الهندي الواقع شمال خط الاستواء وغرب الهند، فهو موطن ذو أولوية للأعاصير والعواصف المدارية.

الأعاصير ليست حديثة عهد بالنسبة للسلطنة بل سباقة لتلك الأحداث خلال الـ 140 عاماً التي خلت، فقد جالت الأعاصير والعواصف المدارية السلطنة خلال تلك الأعوام. ولابد من أضرار شائكة وفتاكة تحدثها الأعاصير قد تصل خسائرها مليارات الدولارات؛ فإعصار جونو الذي ضرب السلطنة عام 2007 صاحب أكبر دمار وأقوى عاصفة مسجلة في بحر العرب والأقوى والأكبر على اليابسة، وقبل أيام ضرب إعصار شاهين حديث العهد الذي جال وأعاث الخراب في مُحافظتي شمال وجنوب الباطنة.

وأشارت التقارير والإحصاءات الأولية إلى الأثر والضرر الكبيرين اللذين أحدثهما إعصار شاهين في البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة.

الكوارث والأحداث المناخية الاستثنائية والأزمات المالية والوبائية العالمية كجائحة كوفيد19، تعد تحديات لسير الحياة البشرية بكافة تنوعاتها، لم يكن وقوعها عبثًا أو هباءً قادمًا فيمضي في طريقه، إنما وقع ليحدث فينا دروسا وعبرا نتعلم منها ولنصوب أخطاءنا الماضية ونؤرخها عبر التاريخ، كما أن الأزمات تعتبر المانح الأكبر لتعزيز قدراتنا ومواهبنا وصقلها بشكل متين وبطريق صحيح، وكل نقص في الحياة الفكرية والعملية تأتي الأزمات لتتمم عليه بالكمال فتهبنا الأساسيات لتصحيح أخطائنا الماضية، فيكون استيعابها على قدر كبير لتحمل أي أزمة قادمة ولنكون نداً لها بالاتجاه الصحيح..

إنَّ الأزمات- وإن توالت- فإنها تكشف مواطن الضعف وعدم القدرة على استيعابها، وأكبر مثال الأزمة العالمية الأخيرة والحالية جائحة "كوفيد19" والتي أظهرت وكشفت الوضع السيئ وعدم القدرة وقلة الاستعداد للتعامل مع الأزمات، مما وضع العالم في موقف صعب وسيئ للغاية؛ حتى تسنت لها وبعد شهور عديدة من الأبحاث العلمية والطبية أن تقف لتعلن إمكاناتها الحقيقية وقدراتها الذاتية لمواجهة الأزمة الوبائية. وكشفت تلك الأزمة خبايا الضعف في العالم وخاصة الدول العظمى والتي أجبرتها على الاعتراف بنقاط ضعفها. فكان هذا الدرس الكبير والأقوى للعالم أجمع للاستفادة من دروسها، وكان للسلطنة أيضا نصيب منها.

فكان لابد لنا من عرض لبعض الدروس المستفادة والتي علمتنا ما لم نكن نعلم ومنها الآتي:

* التنوع في مصادر الدخل وليس التركيز على مصدر واحد، وأن يبقى هذا خط سير دائم غير محصور بوقت أو زمن محدد.

* التوازن المالي ونشره كثقافة تساعد على التأقلم في الموازنة بين أفراد المجتمع قاطبة.

* التثقيف قولا مصحوبًا بالعمل بمبادئ الاهتمام والمحافظة على الممتلكات وكل ما يعنى بالعناية والرعاية الصحية وغيرها.

* غرس مبادئ وقيم التكافل والتعاضد والتعاون المشتركة بين كل مكونات الدولة والمجتمع المدني.

* لملمة الإمكانيات والموارد المعنية بأفكار وأبحاث ودراسات وابتكارات الطلبة وتسخيرها لذلك.

* التعزيز بالتحفيز والتشجيع للعاملين بالدولة لزيادة الإنتاجية والقدرة على تحقيق أهداف المؤسسة.

* زيادة الوعي والتثقيف بشؤون المناخ والعناية والحفاظ على البيئة.

* إيجاد البدائل والحلول الابتكارية حول ما يستجد من تحديات مستقبلية من خلال الاهتمام بالبحوث والدراسات العُليا.

* تطوير منظومة وخطط حالات الطوارئ لتتناسب مع نوعية التحديات والأزمات.

* الولوج إلى شبكات الخدمات العامة وربطها ببعض لتصبح أكثر تكاملية في الأعمال وتهيئتها بفعالية تامة.

* إنشاء صندوق خاص للأزمات لدى كافة المحافظات من مبدأ اللامركزية.

* منح قطاع التخطيط الاهتمام الأكبر كونه مسبار الرؤية والركيزة للمستقبل.

* رفع كفاءة جميع الطرق بما يتناسب والتحديات والأزمات المستقبلية.

* مراجعة البنى الأساسية والفحص المتواصل لها في جميع المحافظات وتأهيلها بما يتناسب وفق الظروف والتحديات المستقبلية.

* تطوير كفاءة السدود بوسائل السلامة ودعمها بإنشاء سدود جديدة في كافة المحافظات للتقليل والحد من الفيضانات والاستفادة من المخزون الجوفي للمياه.

* الاستفادة من السدود في توليد الطاقة الكهربائية وفي إقامة مشاريع تنموية وسياحية واقتصادية عليها تكون رافدا للاقتصاد الوطني.

* زيادة التركيز على المحافظة على النظافة العامة في جميع نواحي الحياة العامة والعمل على الاحترازات الصحية والوقائية بغرس المفاهيم والإرشادات المتعلقة بهذا الأمر.

* إعطاء المزارعين ومربي الماشية والصيادين وأصحاب الحرف التقليدية والشعبية اهتمامًا أكبر من خلال زيادة الدعم لهذه الفئات، وتوفير كل سبل العناية والرعاية لهذا القطاع ليصبح رافدًا اقتصادياً للدولة.

* فتح الأبواب لتمكين الشباب لمزاولة أنشطتهم وهواياتهم الرياضية والثقافية والترفيهية، والوقوف بجانبهم بمشروعاتهم بالدعم المادي والمعنوي واللوجستي.

وما جاءت الأزمات إلا لتكون لنا كتابًا شاملًا نتعلم منه ما ينفعنا وما يضرنا، وتمنحنا الإرادة والعزيمة والإصرار للتعلم بكيفية إدارة الأزمات وكيفية التصدي لها والتقليل من آثارها، وأيضًا يطوي في صفحاته نقاط القوة ونقاط الضعف، وتحمل بين سطوره دروس التصحيح والاستفادة من الأخطاء ومراكز الضعف لدينا.. فتحملنا مراكز القوة لترتقي بنا وتزيد جعبة النشاط وتشحن الطاقة الإيجابية لتصبح مسارا لخبرة أقوى وأكثر نضوجًا وفهمًا ووعيًا وإدراكًا مما سبق.