الانزلاق في الدوامة

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

 

"أخطاؤك هي أهم حقائقك" - نتيشة

*****

نحتاجُ بين الحين والآخر إلى جلسة مصارحة مع النفس، نُقيِّم بها اختياراتنا وقراراتنا المصيرية المهمة؛ سواءً كان مشروعَ زواج أو مشروعًا تجاريًّا أو حتى علاقة صداقة..وخلافه. إذ كثيرة هي القرارات التي نتخذها، والاختيارات التي نندم عليها، بل وتوقعنا في مغبَّة أخطاء لا تنتهي، فنظل نعاتب أنفسنا على سرعة النزول على رأي غير حصيف، بينما الحقيقة أنَّ مُشكلتنا الأساسية تكمُن في: هل اتخذنا القرار بشكل محايد دون تحيز، أم أننا تسرَّعنا في اتخاذ القرار؟

وهذه بالضبط فكرة كتاب "التنبيه" أو "الوكزة"، وهو أحد أهم كتب الاقتصادي الأمريكي ريتشارد ثالر، الذي درس السلوك الاقتصادي من كافة النواحي الحياتية.. والكتاب عبارة عن ضابط إيقاع لآلية اتخاذ القرار في حياتنا. فقد يكون للتفاصيل الصغيرة ظاهريا أثر بالغ في سلوك البشر واختياراتهم؛ فجميعنا عُرضة للتحيُّز، ويتوجب هنا توضيح نقطة مهمة وهي أنَّ الاختيارات حرة لكنها غير محايدة.

مؤلف "الوكزة" تطرَّق إلى منظومة أو آلية بمُوجبها يُمكننا الاختيار، وهي "هندسة الاختيارات" أو "الاختيار الحر" أو "التفكير التلقائي السريع" و"التفكير العقلاني البطيء" أو الكسل والوضع الافتراضي للكسل.. جميعها مترادفات لـ"هندسة الاختيار" والتي يتوجب علينا فهمها وإتقانها حتى نتمكن من إعادة برمجتها، وكل ذلك يصبُو إلى هدف تحسين أخطائنا والاستفادة منها للتحسين والتطوير.

الاستفادة من الأخطاء لتحسين اختياراتنا قد يكون أمرًا مثيرًا للغرابة، ويطرح العديد من الأسئلة عن العلاقة بين الخطأ وتحسين القرار المُتَّخذ! لاسيما وأننا لا نشعر بحجم الضرر إلا بعد مُضِي وقت على اتخاذ القرار.

ولتجنُّب الانزلاق في هذه الدوَّامة أو التكرار المرضي لاتخاذ القرارات غير الصحيحة، علينا الانتباه إلى التفاصيل الدقيقة بحياتنا، والتي لها وقع كبير وأثر عميق على سلوكياتنا وتأثير مُباشر على اختياراتنا.. فالفرد منا يختار تفاصيل حياته اليومية من ملبس ومأكل، وعمل واستثمار، حتى مُرشِّحه في الانتخابات، وكلها اختيارات بدون إكراه، لكنها ليست بمنأى عن تأثير المحيط، وهو ما يعني أنَّه ليس هناك اختيار مُحايد، فقد أشتري طقم أواني بلون تيفاني لأنه باختصار اللون الرائج هذه السنة، أو لأنني رأيت طقمًا مشابهًا له عند جارٍ، وكذلك قد أرشِّح فلانًا لأنَّ الكل أجمع عليه وأشاد به. وهذا ما يُعرف بـ"هندسة الاختيار": أنت تختار ما تشاء وبدون إكراه، ولكن بدون محايدة؛ فسياق اختيارك قد تأثَّر مُسبقًا في اللاوعي بالمُحيط من حولك، والذين في بعض الأحيان قد يركنون إلى الكسل واتخاذ الوضع الافتراضي كأمر مُسلَّم به.

إنَّ التفاصيل الصغيرة والدقيقة التي تؤثر في سلوك الاختيار واتخاذ القرار، هي كذلك آليه تنبيه أو وكزة تُشبه إشارة المرور "اللون الأحمر".. والتي تفرض عليها حينها أنْ تتوقف إلزاماً. لذا؛ وفي محاولة لفهم "آلية الاختيار" الذي يُجنِّب الكثيرين مغبة الندم على اختيار خاطئ، ويُحسِّن مستوى اختياراتنا، علينا أن نُفكر خارج الصندوق ونستفيد من القرار غير الناجح وفهمه بشكل محايد لتحسين سلوك الخيار.