د. سعيدة خاطر وتعادلية العذاب والعذوبة

حتى لا ننسى... جيل الرائدات (3)

 

 

 

 

د. مجدي العفيفي

(1)

قل هي شمعة عليها فقط أن تضيء، ولا تبالي بالاحتراق، المهم أن تظل مُشتعلة ومتوهجة، ومع أن الشمعة ستدرك أنها احتضنت خيطا أهلكها، إلا أن خيطها لم يُهلكها، في زوجية الإبداع والحياة، فالإبداع حياة، والحياة إبداع، لكن أكثر الأحياء لا يدركون هذه الثنائية.

قل هي قطعة من الجرأة والجسارة في الرأي والرؤية والاستنارة، وأشهد أنها لا ترتدي أقنعة، ولا تلبس قفازات، وعدم وجود مسافة بين الوجه والقناع  أحياناً  يشعل لها المشاكل، وهي تساهم في حمل المشاعل، قل هي تجسيد للمعادلة الصعبة، وقد حققت المعادل الموضوعي بين العذابات التي تحملتها والعذوبة التي كانت تتمتع بها توزعها على الآخرين، وأشهد أنها لم تعرف الانطفاء أو الانزواء، ولم تعترف بهما..

قل ما تشاء عن د. سعيدة خاطر الفارسي، الشاعرة.. الباحثة.. الكاتبة.. التربوية.. المثقفة.. المبدعة..صاحبة الذات الممتلئة بذوات الآخرين، منذ أن تشكلت على ثرى عُمان مهرة تركض نحو الطموح.. وأنا عليها من الشاهدين والأشهاد!

ورؤيتي لهذه الرائدة، في جزئيها، إنما تمور بالحوارية والجدلية، ويتماوج فيها الاسترجاع بالاسشهاد، ويتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، ويختلط الخاص بالعام، ومن ثم يتجلى الرأى في الرؤية والرؤيا..

(2)

عرفتها سماعيا في القاهرة قبل أن أراها في مسقط كائنا شعريا، ثم تعرفت حين اتخذت منها جدلية حين التحقت عام 1984 بجريدة الوطن، ولا سيما في ملحق الوطن الثقافي الأسبوعي وكانت له أيام.. وكانت أول امرأة عمانية أجادلها في حوارية، لا تنسى من الذاكرة ولها قصة سأرويها بعد سطرين كنت متدثرا بروح صحافة أخبار اليوم - قلعة الصحافة العربية - حيث الاستنارة العقلية والإثارة الموضوعية، واللغة الثالثة، حاورها ومن ضمن الحوارية رؤيتها للشعراء وكان من بينهم شيخ الشعراء العمانيين الراحل عبد الله الخليلي، وبجرأتها الفكرية التي تماهت معي، أعلنت آراء أكثر من جريئة، ويبدو أنها ولا أنا كنا نتحسب ردود الأفعال. كتبت المانشيت:«الشاعرة سعيدة خاطر تلقي القفار في وجوه الشعراء» (!!!) وما أن طلع الصباح فإذا الدنيا كما لا نعرفها، ثارت ثائرة المجتمع خاصة الثقافي، وقامت الدنيا ولم تقعد إلا بعد حين، ولك أن تتصور الحين طولا وعرضا وارتفاعا..

كان لهذه الواقعة دلالات كثيرة،؛ كانت إشارة تشبه اللون الأحمر إلا قليلا، لكنها كانت من قبيل عسى أن نكره شيئا وهو خير لنا.

 هكذا كانت الشاعرة سعيدة خاطر، السطر الأول ساخنا جدا في صفحات كتاب علاقتي الصحفية معها ..

أشهد .. أنها لا ترتدي أقنعة، ولا تلبس قفازات، وعدم وجود مسافة بين الوجه والقناع  أحياناً  يشعل لها المشاكل، وهي تساهم في حمل المشاعل، فكان الشعرعزاءها وعذابها وعذوبتها.

(3)

ومرت الأيام.. ودارت الأيام ، وتواصلنا وشكلنا موجة جديدة، وهي كانت مسؤولة في التربية والتعليم ، والشاعر هلال العامري في جامعة السلطان قابوس والشاعر المهندس سعيد الصقلاوي، وكاتب هذه السطور

تشابكت علاقتنا واشتبكت العلاقة بين الثقافة والصحافة والصداقة، والفكر والقلم والإبداع والنقد والشعر والندوات والأمسيات، وكان النادي الثقافي أحد أكبر عناوين اللقاءات، ولهم جهد كبير في إبلاغ الصوت الثقافي إلى المجتمع من خلال هذا النادي، ولابد أن أوثق هذا الدور، فنحن في زمن كل شيء فيه ينسى بعد حين ..!!!.

 كنَّا ثلة اقتربنا وتقاربنا، وتجادلنا مع بعضنا وتحاورنا مع المجتمع، وتجذرت العلاقة تجذيرا ، فلا نمو بدون جذور، ولا تزال هذه العلاقة الرفيعة متوهجة حتى اللحظة الراهنة..!.

 (4)

ساهمت سعيدة خاطر في مسيرة المرأة الثقافية والإبداعية، حتى تمكنت المرأة الكاتبة أن تتهادى، ما بين القصيدة والقصة واللوحة، لتتخذ من هذه الفنون وسائل وأدوات، تُعبر عن رؤاها، وتطرح آراءها، وتكشف عن نفسها ذاتياً، وتصور مجتمعها موضوعيا، وما بين الذات والموضوع تترواح حركة قلمها، وألمها، وحلمها، وأملها.

وكم كتبت مئآت الصفحات، جدلا وحوارا.. وتسجيلا وتحليلا.. وتوثيقا وتحقيقا.. وكم استقطرت من شفاه قلم الأظافر الطويلة، إبداعات انسكبت من أسماء، نمت وربت واهتزت وأنبتت إبداعات شتى.

في تلك الآونة من مطالع عقد الثمانينيات الماضي كان فن الشعر هو سيد الفنون التي تألقت فيها تاء التأنيث، لا سيما وأن شاعرة وباحثة مثل سعيدة خاطر، قد تبلورت ملامحها، وتحددت خصائصها بحكم الخبرة والإخلاص لفن الشعر، وتعزيز هذه الخبرة وذلك الإخلاص بالبحث العلم.

(5)

كانت (الكويت) هي القاعدة التي انطلقت منها، في جامعتها تعلمت وفيها درست، وفي ظلال أبراجها أطلقت قدراتها الثقافية لتغادرها بشهادة الليسانس في الآداب والتربية- ليسانس لغة عربية وشريعة إسلامية، ودبلوم تربية من جامعة الكويت بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف- سنة 1977م . ثم عادت إلى مسقط رأسها.

 (6)

في (مسقط) كانت تحلق وتتفاعل وتنفعل، تارة بالمسؤولية التربوية، وتارة أخرى في جامعة السلطان قابوس، وهي في كل ذلك تتخذ من الشعر شارة وبشارة وشرارة، في الفكر والجمال والذوق والوجدان.

قطعت سعيدة خاطر مشوارها الوظيفي من موظفة بدائرة المناهج والتأهيل التربوي، قسم اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم، إلى رئيس قسم اللغة العربية بدائرة المناهج، ثم مديرة مكتب وزير التربية والتعليم 1979 ومديرة المدرسة النموذجية للبنات.سنة1980 م إلى 1986 ثم مساعدة عميد شؤون الطلاب ومسؤولة النشاط الثقافي بجامعة السلطان قابوس – من سنة 86- 96م ثم مسؤولة النشاط الثقافي بكلية مسقط للعلوم والتكنولوجيا من 96 – 99 ثم نائبة رئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء 2010م وإلى 2012م وتجلت النقطة الأخيرة في السطر الوظيفي عضوًا بمجلس الدولة 2010 .

تزامن ذلك مع الروح التطوعية التي تميز كل امرأة عمانية تحمل مصباح التنوير الاجتماعي: رئاسة تحرير مجلة العمانية.. مفوضة علاقات دولية بجمعية المرشدات العمانية.. تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها من العمانيين العائدين وزارة التربية 1979..تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها من الأجانب بجمعية المرأة بالسيب 2009.. عضو لجنة تقييم نصوص الأغاني والمسرحيات ...رئيس أسرة الكاتبات العمانيات .1996 م..عضو رابطة الأدب الحديث بالقاهرة ...عضو منظمة الكتاب الآسيويين والأفريقيين..عضو رابطة الأدب الإسلامي بالقاهرة..عضو مؤسس في جماعة قراءة للإبداع والنقد التطبيقي بالقاهرة... رئيس صالون سعيدة خاطر الثقافي.

(7)

 نقشت سعيدة خاطر اسمها على رفوف مكتبة الفن الشعري بأعمالها الشعرية عام 1986 التي بدأت بديوانها«مدٌّ في بحر الأعماق» ثم«أغنيات للطفولة والخضرة»1991 ثم إليها تحج الحروف 2003، وقطوف الشجرة الطيبة ديوان شعر شعبي رباعيات2004، ثم وحدك تبقى صلاة يقيني، ديوان شعر 2005 موشومة تحت الجلد 2006 ما زلتُ أمشى على الماء 2008 أنشودتي شعر للأطفال 2016 ، - ديوان بهم اقتدي، شعر للأطفال .

(8)

في(القاهرة) دفعها العلم طموحًا، إلى وهج الدراسات العُليا، لتنال درجة الماجستير في اللغة العربية في النقد والبلاغة والأدب المقارن من جامعة القاهرة، كلية دار العلوم بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، حول موضوع :الشعر العُماني في عصر النباهنة سنة 1994م

ثم كانت درجة الدكتوراه في النقد والبلاغة من جامعة القاهرة كلية دار العلوم سنة 2002م بمرتبة الشرف الأولى عن موضوع الاغتراب في شعر المرأة الخليجية، دراسة فنية.

(9)

وضعت الدكتورة سعيدة خاطر على رفوف المكتبة العربية مجموعة من الكتب النقدية أصدرتها لها مسقط والقاهرة. منها: ومن دراساتها النقدية :بصمات البحر، قراءة أسلوبية في الإبداع العماني. 2009 والعصر الذهبي للشعر في عمان / دولة النباهنة 2016، وأورقُ من بين الثقوب، نصوص أدبية، سنة 2019.

وفي مكتبتها انحياز جميل ومشروع لقلم الأظافر الطويلة، إذ قدمت للمتلقي العربي، بعض مرئياتها وقراءاتها في الشعر الخليجي المعاصر عبر سلسلة نقدية جديرة بالمتابعة من قبيل: سوسنة المنافي.. حمدة خميس وتحولات الاغتراب السياسي 2003، وسعاد الصباح بين الاستلاب والاغتراب 2003 ، وانتحار الأوتاد – في اغتراب سعدية مفرِّح 2004 و"علي شفا حفرة " دراسة في الاغتراب الصوفي لدى زكية مال الله 2004، والراقصات على الجمر، سلسلة مقالات خاصة بالمرأة 2017 والاغتراب في شعر المرأة الخليجية 2018م.

ولسردية العذاب والعذوبة وسعيدة خاطر .. بقية، إن كان في العمر بقية..!