عائشة السريحية
عزيزي القارئ، ربما ستكمل القراءة لأنَّ هناك شيئا ما تبحث عنه في عنوان المقال، وربما لن تجده مثيرا لاهتمامك، ولكنك لن تخسر شيئاً إن منحته دقائق من وقتك، لربما وجدت شيئا بين ثناياه يغير أو يكشف شيئا، فكل شيء حولك يتغير ويتحرك وأنت ثابت بأجزاء جسدك مربوط بحبال الجاذبية نحو الأسفل، أحيانا يشرئب عنقك نحو السماء، لعلك تصطاد حلما، أو تطارد مخيلة، تمر الدقائق والساعات والأيام، وأنت كما أنت، يميزك التغيير بإعلان تقدم عمرك الزمني، تارة كألم ينحل جسدك وتارة كتجعيدة تحفر لنفسها خندقاً حول عينيك أو جوانب فمك، تظن أنك قادر على السيطرة التامة، ولكن في الحقيقة أنت لا تملك من الأمر شيئًا.
أنت يا عزيزي كالنملة التي تعمل دون كلل أو ملل، و الفرق في التفاصيل، لا يهم كونك نشيطا أو كسولا، غنيا أو فقيرا، فأنت لك نظامك الإنساني الخاص وهي مبرمجة ضمن نظام كوني معقد يجعل الفرد كل مهمته الحفاظ على بقاء النوع، فيوفر الطعام ويدافع عن ممالكه للحفاظ على جنسه كي لا ينقرض، وأنت تفعل ذات الشيء، لكنك ترهق جل وقتك بالبحث عن شيء مجهول لن تجده، هي محددة ماذا تريد وأنت تائه لا تعرف ماذا تريد فإن سعيت نحو المال ستملكه لكنه لن يجلب لك السعادة، ربما سيجلب لك الرفاهية لكن السعادة شيء والرفاهية شيء آخر، وربما بحثت عن الحب والشهوات، لكنها أيضا لن تجلب لك السعادة للمتعة ثمن ستدفعه غاليا، وربما بحثت عن مركز مرموق، وربما حصلت عليه! لكنه لن يمنحك السعادة أيضا، فبعد فترة من الزمن ستتعود عليه ولن يشكل لك فارقا.
مهما كنت تبحث عنه، فبعد الحصول عليه ستجد نفسك فرغت مجددا وتبحث عن شيء يملؤك، شيء لا تعرف ماهو لكنك ستشعر بالفراغ الذي تحاول أن تجد له سبيلا لكي تخفيه.
إنها مسألة امتلاء ثم فراغ، شبع ثم جوع، عطش ثم ارتواء، ويستمر تبادل الأدوار بين الحاجات.
مفهوم السعادة عزيزي القارئ، هو أن تشعر بالرضا التام والطمأنينة الكاملة، تبتسم روحك قبل أن تترجمها شفتيك، الاطمئنان المطلق والفرح المستمر الغامر، تلك المشاعر التي تنشيك للحظات أو ربما سويعات وقد تمتد لأيام، لكنها للأسف لا تدوم، ستشعر بالملل مجددا ليس لأنك غير راض عما حصلت عليه، ولكنها طبيعة الصيد المزروعة في كل مخلوق حي بالفطرة، الشعور بالركض وراء الأحلام تمنحك ذلك الشعور الذي لا يكتمل إلا بعد اكتمال الهدف، لكن بعد أن تتم المهمة، تشعر كما يشعر النمر بعد صيده لفريسته، يأكل القليل منها فيشبع ثم يتركها لآكلي الجيف، فيعادوه الجوع مرة أخرى، حتى يصل للحظة التي ينهار فيها ويموت.
أنت صياد ياعزيزي، تختلف درجة احترافك ومهارتك، ولكنك بعد كل صيد، تشعر بالجوع من جديد فالمتعة تكمن في عملية المطاردة، لأن السعادة ماهي إلا قمة تصل إليها ثم تشعر بأنك في احتياج نهم للوصول لقمة أخرى لا تنفك من التفكير بها، قممك ستكون عديدة ربما تكون صحة وربما مالا وربما شهرة وربما موهبة أي شيء يشعرك بالامتلاء، ربما تصل بالبعض للقتل من أجل الانتشاء.
هي ذلك الصراع الذي تملأ روحك به، فتجد أنك تخوض معارك كثيرة، بها ضحايا ولديك خسائر، ولكنك تستمتع بهذا الصراع ظنا منك أنه الطريق لبلوغ ماتسعى إليه.
شخص ما تحدث عن الإنجازات العظيمة التي فعلها في حياته، وكم هو فخور بها وأنه وصل لمكانة يحسده عليها الجميع، ولكن كنت أنظر لتلك الملامح التي تروي وتلك اليدين اللتين تلوحان في الهواء، ودموع يأس تلمع على استحياء فلغة الجسد تكذب حديث اللسان.
تعاقب الليل والنهار، الحرارة والبرودة الغذاء والدواء المرض والشفاء، هي صراعات يواجهها المرء ويظن أنه بمكاسب أخرى قد وصل.
امرأة متذمرة تتمنى الموت مئات المرات، لا تجد فرصة تقابل فيها أحدا حتى تصب وجع سنين عمرها وماهي إلا لحظات حتى تبدأ عيناها في البكاء، ورغم أنها ليست الوحيدة التي تعاني لكنها تستمر في الشكوى ربما كانت تجد في ذلك راحة من نوع آخر وما الضير إذا سكتت؟ وما الفائدة إذا اشتكت؟ وحين يحضر كوب القهوة تجدها تبتسم، إنه الاحتياج للكافيين.
امرأة أخرى تملك مصدر دخل عال وزوجها كذلك وتستطيع أن تعيش الحياة برفاهية وسعادة، لكنها تأبى ذلك وتحشر نفسها في جحر تعتبره مسكنا وتجمع الأموال لتتكدس في رصيدها البنكي، والغاية تأمين مستقبل ابنها الوحيد، وفجأة يموت الولد، فتدرك متأخرة أنها أضاعت الأمرين.
معيار السعادة الحقيقي هو المتعة في البحث للوصول للهدف المنشود وعند التوقف عن البحث، أو بلوغ الهدف تنتهي نشوة المتعة بعدها مباشرة، مجرد توقيت زمني ليعاودك الفراغ من جديد.
رجل أنفق مئات الالاف الريالات ووسط عشرات من وجهاء القوم، وبذل العديد من المحاولات حتى يتزوج فتاة أحلامه، وبعد خمس سنوات تطلقا!
امرأة جميلة سعت بكل ما أوتيت من قوة للوصول لعوالم الشهرة، وقدمت العديد من التنازلات، ودخلت مجتمعات جديدة، واعتلت أفخم السيارات، ولكنها فاتورتها بدأت بأول وصفة طبية لأخذ أدوية مضادات الاكتئاب والمعاناة من الأرق.
رجل تسلق على الجميع وصارع كل من حوله، وتملق ونافق حتى ذاب لسانه ونبت له قرنان، إلى أن وصل لمبتغاه وبعد فترة أصيب بمرض عضال فلم يعد يجد طعما لمنافقة أحد، ويتمنى العافية.
إنها طبيعة الكون، أنت تحتاج أن تفهم خارطة الطريق لبحثك، وتتعلم جيدًا أن السعادة الدائمة الموعودة ما هي إلا أكذوبة مؤقتة، فراقب طريقك جيدًا.