العمانيون.. أمة في صدر العالمين

 

د. إسماعيل بن صالح الأغبري

 

الأقدار بيد الله الواحد القهار يُدبر الأمر ثم يحكمه ولا منازع له في حكمه، والإنسان مصروع بقوة الله ولا يصرع إعصارا ولا يتحدى طبيعة فهي بذاتها لا حول لها ولا قوة.

تغيرات المناخ وتقلبات أحوال الطقس في العالم كله سمة من سمات هذه السنوات الأخيرة ما يعني ضرورة تحسب الدول لكل طارئ والعمل وفق أسوأ الاحتمالات لا أحسنها. والسلطنة واحدة من هذه الدول التي يشملها تغير أحوال المناخ وهي قريبة من المحيط الهندي وبحر العرب بها لصيق. فلم تكد تنقشع آثام إعصار شاهين ذي الوجه الكالح والضيف الثقيل غير المرحب به إلا وسطع الوجه المشرق للعمانيين والنور الوضاء في البناء والتعمير. وقد شاهد العالم اجتياح شاهين لمدن وقرى فخرب ودمر ولكنه أيضاً شاهد قسم منه وفور رحيل شاهين أمة عُمانية تعيد ما تدمر وتجدد ما تهدم وتصلح ما أفسده شاهين.

العمانيون الحكومة والشعب هبوا لتتبع ما تركه شاهين وما أحدثه من جرائره فكانوا كالجسر في تعاونهم وكالسد المنيع في وقفتهم والواقع شاهد على ذلك. وخلال الأزمات تنكشف المعادن وتبين الجواهر وعُمان قد ضربت أروع الأمثلة في التعاون والتكاتف لا أحد منهم يأنف نزولا للميدان أو رفعا لأنقاض أو حفرا لما انطمر أو إزاحة لما يجب إزاحته. والعمانيون كافة نزلوا الساحة لا يبالون بطين يصيبهم مهما علو رتبة وظيفية أو مالية أو اجتماعية ولا يستنكفون من خدمة أبناء جلدتهم أو يتعالون من حمل أي معدة من معدات إزالة المخلفات.

العمانيون من كل فج عميق صاروا للباطنة وكأنَّ مدينة جديدة نشأت وأناسا فيها قد ولدوا وتلك سمة من سمات أهل عُمان تعاونا وتكاتفا وتكافلا؛ مؤسسات رسمية عريقة في كل ميدان وعند كل نازلة تتقدم الركب لما لها من صلاحيات ومطلق التوجيهات ولما لها من تمكين وقدرات.

إنَّ الشعب العماني بحسه المرهف وإحساسه بمعنى الانتماء لعُمان وقبل ذلك الانتماء لدين الله تعالى الإسلام الذي اعتنقوه دون مقاومة منهم ولا إشهار سلاح في وجهه. وها هو الدفاع المدني مُنقذ ومخلص وهو وسط المعامع يدفع بإذن الله ما استطاع من الرزايا كإنقاذ غرقى أو البحث عن فقيد أو تخليص أسير أحاط به الموج من كل مكان فهو في ميادين بث الحياة ليس فقط خلال شاهين وإنما حاضر في كل معضلة موجود عند الحاجة إليه في كل نوء من الأنواء المناخية وقد يهلك أفراد منه في سبيل حياة آخرين.

وشرطة عمان السلطانية عملها ليس مرتبطًا بحدث ولا موسميًا، وإنما شرطة عمان حاضرة في المرور والمنافذ والحدود تأمينا لسير منتظم وحفاظاً على عمان من دخول إليها من غير طريق مشروع وحرصاً منها على سلامة الأمة العمانية من وجود متسلل أو تاجر يضر بالعقول ويخرب بتجارته الأفئدة ويورث الناشئة خبالًا. شرطة عُمان السلطانية ليست فقط مخالفات وإنما حارسة للنظام العام وحامية مع بقية الأجهزة العسكرية لحدود ومنافذ عمان فهي عين تنظم وعين ترصد وعين تحرس فينام المواطن والمُقيم وعين شرطة عمان السلطانية لا تكاد تنام.

لنتخيل كيف الوضع في الأوقات العادية بدون شرطة؟ وكيف إذا ما طرأ طارئ بدونها؟ إنهم صلب وعمود وركن على كل حال وخاصة مع الأزمات كالأعاصير أو خلال انتشار الأوبئة والأمراض.

وقوات السلطان المسلحة بجميع أفرعها الثلاث تذود عن البلاد وتدفع الخطر عن العباد يحتمي بها الخائف معتبراً إياها صمام أمانه ودرعه وحصنه وسوره وقلعته وخندقه وبرجه وكهفه؛ هي عين تحرس في سبيل الله.

القوات المسلحة مع شرطة عُمان السلطانية مع الدفاع المدني ثلاثي بناء لا يكل ولا يمل من أجل عُمان وأهلها والمقيمين بها.

فكم من طريق شقته وكان صعبًا من قبل صلدًا؟ وكم من قفر صيرته أخضر؟ وكم من وعر صار على يديها سهلًا؟

القوات المسلحة في الذود عن عُمان أولًا ووسطًا وآخرًا، وفي البناء في المُقدمة دائماً وعند الأعاصير أو غيرها من الرزايا منقذًا وباحثًا وراصدًا.

شاهدنا جميعاً هذه الأذرع الثلاثة شرطة عُمان السلطانية والقوات المسلحة والدفاع المدني كيف تتصدر المشهد في إعصار جونو وإعصار فيت وإعصار مكونو وغيرها وشاهدنا كيف يضحي بنوها بأنفسهم من أجل أبناء عُمان وعُمان.

الهيئة العمانية للأعمال الخيرية تبني ما أمكن وتشيد ما احتاج إلى تشييد أو تقدم عوناً نقدياً ليس داخل السلطنة فقط بل خارجها أيضاً في أفريقيا وآسيا ولكن من غير منٍ ولا أذى ولا تذيع ذلك إلا إن قام أهل تلك البلاد بالكشف وإذاعة ذلك حفاظا على الكرامة الإنسانية وهو منهج أصيل في السياسة العمانية.

والمواطنون العمانيون تتقاطر جهودهم غيثا منهمرا لا إعصارا مدمرا فهم من شمال البلاد وجنوبها وبمبادرة من أنفسهم تطوعا منهم بأنفس سخية ويد كريمة سمحة تجدهم عند حلول النوازل أو وقوع الكوارث جسدا واحدا. وإذا كان العالم رأى ما صنعه الإعصار من جرائر وآثام فإنَّ قسما منه أبصر وشاهد ما يقوم به المواطنون من بذل الجهد واستفراغ الوسع في سبيل تخفيف مُعاناة الناس ورفع الأذى عنهم.

قوافل من فرق خيرية تمثل المجتمع الخيري وهو وصف أكثر دقة من وصف ما يسمى بالمجتمع الخيري منتشرة في نواحي السلطنة. وقاطرات من جمعيات المجتمع الخيري تصطف محملة بما أمكن من مساهمات أهل عمان من الرجال والنساء معاً. والعمانيون روح عُمان تسري فيهم وشريعة الإسلام تدعوهم ووحي الكتاب يناديهم أن هلموا لأعمال الخير فلبوا النداء، تراهم في ميادين الأزمات يخففون من وقعها ويجودون بما تيسر وما رأيناه من تداع وسباق إلى الخيرات بعيد إعصار شاهين لدليل واضح على نزعات الخير التي يتمتع بها أهل عمان.

وقد تبرع أناس عاديون كما تبرع رجال مال وأعمال من أهل عُمان في سبيل أهل عُمان منهم من أعلن ذلك تشجيعاً للآخرين وحثاً لغيرهم فأكرم بصنيعهم ومنهم من كتم أمره فأكرم بما اختار من طريق.

ويبقى على العماني أن يدعم التاجر العماني فيشتري منه ويحث أبناءه على اختيار التاجر العماني مصدراً ليشتري منه وعلى العماني أن يختار المنتج العماني فذلك خدمة لعمان وللعمانيين وترجمة عملية لتضامن العماني مع العماني.

إن العماني- الحكومة والشعب- في مثل هذه الهبة في مثل هذه الحال يتجنبون المن والأذى الذي قد يحصل لو اعتمدوا على غيرهم.

خلاصة القول.. شرطة عُمان السلطانية ليس كما يتصورها البعض أنها لضبط المخالفين؛ بل لها الدور الأساس في البناء والإنقاذ وحفظ الحدود ومتابعة منافذ البلاد من أجل بقاء عمان آمنة مطمئنة لا يعكر صفو حياة بنيها غير مرغوب في دخوله.

والقوات المسلحة ليست فقط حاضرة إذا ما اعتدى معتد على الأرض والعرض، وإنما هي حاضرة في تعمير البلاد وتعبيد الطرق وتوزيع المساعدات وحاضرة بتحليق الطائرات للاستكشاف وإنقاذ من تقطعت به السبل وكم من فقد روحه من أجل تمتع غيره من العمانيين بالحياة والأمن.

والدفاع المدني دائماً في المقدمة وتراهم عند الأودية وتقلبات الطقس هم وسط تلك التقلبات وفي بطون الأودية والناس كثير منهم في بطون بيوتهم يشاهدون التلفاز أو يجرون مكالمات مع صديق في أمن من تقلبات الطقس من برودة أو حرارة أو مخاطر أودية.

عُمان بنوها لها يحفظونها حفظ أعينهم ويصونونها صون أنفسهم فهي عرضهم كما هي أرضهم... عمان نبض واحد شريان واحد يجري به دمهم فإن حافظوا عليه كانت الحياة للجميع ولعمان.