الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)
(1)
اعتادَ الكثيرُ من القادة والسياسيين حول العالم إخفاءَ أصولِ شركاتهم في شركات "أوفشور"؛ بهدف التهرُّب الضريبي.. وسارتْ الأمور على هذه الحال، إلى أنْ كَشفتْ وثائق "باندورا" -التي استندت إلى نحو 11.9 مليون وثيقة من 14 شركة خدمات مالية- عن وجود أكثر من 29 ألف شركة "أوفشور"؛ أي خارج الحدود وخارج الرقابة الضريبية الوطنية.
البدايات والنهايات تَتَشابه في مثل هذه الحالات منذ الأزل، فتجد المسؤول أو القائد المتنفِّذ في العديد من بلدان العالم يُهرِّب ثروته وأمواله، أو يخفيها باسم أحد أقاربه، وهكذا تستمر حلقة تكديس الأموال الأزلية، مُتعديةً حَلقَة المسؤول والعائلة إلى القادة والزعماء.. وهلمَّ جرًّا.
الجميعُ يُكدِّس أمواله في شركات ما وراء البحار، ومن ثمَّ يخُرج على الناس مطالبًا إياهُم على التقيُّد بالقوانين، ومد يد العون لمن يحتاجها، في حين أنَّه يُهرِّب ثروته التي بنها على حساب الشعوب المنهوبة.
وعودٌ على وثائق "باندورا" والتي شارك فيها ما يقارب الـ600 صحفي، بانَت كمية الشرور التي يمارسها المسؤولون حول العالم.. هذا عن العالم، ولكن ماذا عنَّا نحن؟ متي ينشأ صندوق "باندورا" المحلي، لترتفع معه الأيادي عن جيوب المواطنين، ممن تتَّجه الأعين والأصابع والنظرات وكل ما شئت، إلى جيوبهم، وقت وقوع الكوارث وتحل الظروف والطوارئ والعوارض، حيث تجد بعضَ "الهوامير" يشيحون بوجوههم، وكأنهم لم يستفيدوا من خيرات البلد من قبل أو لن يستفيدوا في المستقبل، مروِّجين لأخبارٍ معلَّبة جَاهِزة "إننا نُعطي في الخَفَاء"!!! عن أي خفاء تتحدثون؟!
(2)
في الكوارث العامة، نحتاج إلى حلول مجدية وعملية وعامة، بل وعلى قدرٍ عالٍ من الشفافية.. وقد كشفت الأنواء المناخية الأخيرة "إعصار شاهين" مدى حاجتنا الماسة لأن نكون أكثر وضوحًا مع أنفسنا، ونأخذ خطوات عملية واسعة، وواسعة جدًّا، باتجاه إنشاء صندوق "الطوارئ والأنواء".
وفي إشارة لمقال "قبل أن تقع الكارثة" للمكرم حاتم الطائي، والمنشور بتاريخ 24 يوليو الماضي، فإنَّ "التغيُّر المناخي له عواقب وتبعات كارثية، فهو يساوي كل شيء تبنيه في أعوام بالأرض في ثوانٍ"، ومع تكرار النوازل المناخية على بلادنا، بات من الضروري التعجيل بأن يرى هذا الصندوق النور، جامعًا لكل التبرعات من المؤسسات الوقفية والقطاع الخاص والجمعيات الخيرية والأفراد، بهدف تنظيم عملية التوزيع، وحصر الأضرار، ورصد التبرعات وتسجيلها وتوثيقها، على أن تنضوي تحت مظلته كل المساهمات والمشاركات التطوعية بشكل منظم، حتي لا يحدث تشويش ويتحقق التوزيع العادل فتصل المعونات العينية والنقدية للمتضررين سريعاً ودون مماطلة أو تعقيدات.
إنَّ إنشاء "صندوق الطوارئ والأنواء" سيبتعد بنا كثيرًا عن متلازمة "البحث عن الحلول الأسهل" أو اللعب على وتر التعاطف والتعاون الأخوي، والذي هو سمة مميزة أساساً لأبناء هذا الوطن الغالي.
(3)
صندوق باندورا المحلي، وصندوق الطوارئ والأنواء، تختلف الأسماء ولكن تبقى الغاية واحدة؛ ممثلة في قطع الطريق أمام مسببات الفساد، عبر إيجاد نقطة واضحة للنظام، حينذاك صدِّقوني لن نسمع عن مُتاجرة بأوجاع البسطاء، ولن تكن هناك فرصة للإقدام على استقطاع الرواتب، وستختفي الوساطات والمحسوبيات والمتنفِّعين على حساب المواطن البسيط، وستظل الثقة بين المسؤول والمواطنين في أرقى صور الشفافية والوضوح، وستتعمق روابط التعاون والمشاركة المجتمعية بين الجميع.
إننا ونحن نضع الخطة تلو الأخرى لبلوغ مصاف الدول المتقدمة في العام 2040، ينبغي ألا يظل الأمر متروكًا لحدوث أمر جلل لتتوجه الأنظار لما نطرحه من رؤى ومقترحات، ولكن عُمان العظيمة بشعبها تُدرك يقينًا أنه وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.