خليفة بن عبيد المشايخي
سرت إلينا منذ مدة أنباء بأن عمان الأرض والوطن سيحل عليها ضيف ثقيل غير مرحب به مطلقًا، وهذا الضيف هو جند من جنود الله سيّره المولى- عزّ وجلّ- لحكمة وأسباب أرادها هو جل جلاله، وهذا الضيف ليس الأول من نوعه الذي ينزل علينا ويحل بنا، ولكن هو الأول من حيث مُسماه، وكان التوجه والفكرة التي أخذت عن هذا الضيف، بأنه سيغير وجه الحياة عليها نسبياً، وسينزل عليها مرغمة وغير مقبول بها نهائيًا، وسيحدث بها اختلالا وعدم توازن في البنية التحتية ونمط الحياة عامة، وسيأتي على الشجر والوبر والبهائم وسائر المخلوقات إن كانوا عرضة له.
فمنذ الإعلان عن مقدمه، استنفرت الجهود في كل المناطق التي أعلن عنها بأنها ستكون عرضة لهذا الزائر العنيف المرعب الذي أتى بأمر الله، وكان يتحرك رغم قوته أيضاً بأمر الله، فاتخذت التدابير والاحترازات الأولية التي كان منها إخلاء السكان من موقع آثاره، وإبعادهم من أماكن مروره، وكان الجميع كل في موقعه يعمل على مواجهته دون أن يحدث بنا تلك الأضرار التي حدثت، ورغم ما قيل وتم الإشارة إليه والتحدث عنه والاستعداد له، إلا أن الأخطاء حدثت، فكانت النتيجة حدوث خسائر في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.
إن بلادي العزيزة علي والتي أهلها علي كرام، قد مر بها شاهين الذي أرعب متابعيه ومتتبعيه، وكانت وهي تتعرض لهذا الإعصار الذي جرت معه الأودية وهطلت بسببه أمطار تراوحت بين الغزيرة والمتوسطة في مواقع مختلفة، صفاً واحدا متلاحمة متعاضدة صامدة متحدة، وكان لهذا الحدث هذه المرة رأي مختلف ونهج آخر.
فحجم الأضرار في ولايات السويق والخابورة وصحم وفي العاصمة مسقط وفي مقدرات البلد فاق التوقعات، فكان كبيرا بالقدر الذي رأيناه وتابعناه ووقفنا عليه، إلا أنَّ ذلك كان أمر الله تعالى وليس بمقدورنا رده، وبحمد الله كالعادة كان أهل عُمان متعاونين ويداً واحدة وهم واحد وفكر واحد، مما هون على الجميع ما حدث وجرى.
لقد جاء شاهين وجاءت معه المتاعب والهموم والأحزان والأوجاع والآلام والمعاناة والمأساة، إلا أن شعب عُمان رجال وأهلها كرام، وساكنوها خيرون وجميعهم لحمة واحدة وعطاء واحد وقوة صامدة، ستعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه بإذنه الواحد الأحد الفرد الصمد.
حقيقة وبلادنا تتعرض لمثل هذه الأنواء المناخية ولمثل هذه الأعاصير والعواصف المدمرة بصفة مستمرة وبشكل دائم، ينبغي النظر والتفكر في كيفية عمل ما يمكن عمله للحد من آثارها المدمرة، وقوة الأمطار وكثرتها التي تسقط على الأرض، والتي ليس بمقدورها أن تبتلعها جميعا في وقت وجيز، مما يعني تجمع الفائض من مياه الأمطار على سطحها وجريانها جريانا جارفا ومدمرا.
إنَّ الجهود والإجراءات التي تتخذ قبل وبعد حدوث ومجيء أي إعصار على عُمان حقيقة ليست بكافية، فإن أتينا لحجم الأضرار سنجدها كثيرة مما يصعب على الحكومة تعويض المتضررين عن كل ما خسروه، فالذي خسر بيته بأكمله ليس بالإمكان تعويضه عن بيته في وقت قصير، وقس على ذلك الخسائر الأخرى في مختلف الممتلكات الخاصة من مزارع ومساكن وغيره.
عليه فإني أقترح إنشاء صندوق يسمى صندوق الكوارث تجمع وتحول إليه تبرعات مالية بشكل شهري، على أن تلزم كافة أجهزة الدولة بالتبرع شهريًا في هذا الصندوق بنسب معينة، وكذلك شركات ومؤسسات القطاع الخاص، كذلك يمكن أن تخصص أراضٍ وتستغل من قبل الحكومة ببناء مشاريع مختلفة عليها، وبعد ذلك تؤجر بأكملها، ويكون عائد هذه الإيجارات تحول للصندوق مباشرة.
كذلك تتاح الفرصة للمواطنين البسطاء الفقراء الذين مداخيلهم بسيطة الراغبين في التبرع للصندوق ولو بريال واحد، وألا يكون ذلك إجبارا عليهم، ودون أن تمس معيشتهم أو رواتب الموظفين أو المتقاعدين أو الانتقاص من ذلك، أما من أتى ذكرهم أعلاه من جهات حكومية وقطاع خاص، فيجبرون على استقطاع مبلغ شهري من أموالهم، على أن يتبع هذا الصندوق مباشرة جلالة السلطان أطال الله في عمره.
فمع وجود هذا الصندوق ستكون هناك أموال كثيرة ستمكن الحكومة من تعويض المتضررين فورا ودون تأخير، وسيخفف الضغط على الصناديق والهيئات والجمعيات الخيرية الأخرى، التي يجب أن تعمل مع الحكومة على محاربة الفقر، ورفع مستوى المعيشة لدى الشعب إلى مستويات ممتازة.
خطاك السوء يا عُمان وعمار يا داري.. ولا أراك الله شرا قادما بإذنه تعالى.. فنحن لك ومعك، وتحية خاصة إلى الرجال المخلصين الأقوياء الأشداء منتسبي كافة الأجهزة الأمنية كالشرطة وقوات السلطان المسلحة والحرس السلطاني العماني وقوة السلطان الخاصة والخدمات الهندسية، وغيرهم من الأفرع والأقسام والجهات ذات العلاقة الذين أبلوا بلاءً حسناً في الميدان، وفي مواقع العمل والواجب.
حفظ الله بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل مكروه، وكونوا جميعكم بخير.