مختلفان.. شاهين والشاهين!

حمد بن سالم العلوي

يُخطئ من قال إنَّ السنوات الأخيرة كثُرت فيها الأعاصير والأنواء، وينسب سبب ذلك إلى اقتراف المعاصي والذنوب، وكثرة الفساد والمفسدين في الأرض، فإني لا أشك بوجود كل الذي ذكر، فإن فسدنا فهناك من هو أكثر منِّا فساداً وكفراً بعشرات المرات، ومع ذلك لا نُريد أن ننافسهم في السوء، ولكن أشك أن يحاسبنا الله على ذلك في الدنيا قبل الآخرة، بإرسال الأنواء المناخية والأعاصير لمُعاقبتنا، لقوله تعالى:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً}الكهف [58].

لكن الله يرسل رسائله تخويفاً وتحذيراً وتذكيراً، فالمؤمن يتضرع بالدعاء لله، ويطلب منه العفو والعافية، ويشكره على السرَّاء والضرَّاء ولا ينس وازع الخوف والرجاء، فما يُدريك لعل الخير في بطن الشر، فعلى سبيل المثال، عندما أتى إعصار "فيت" فقد ذهب يومها بـ"المتق" من نخيل عُمان، وقد يذهب هذا "الشاهين" بوباء كورونا في طريقه إلى غير رجعة إن شاء الله وقدّر.

إذن؛ عُمان ظلت تشهد الأعاصير، والأنواء المناخية العاتية عبر تأريخها الطويل، وليس فقط في تاريخها الحديث، ولكن الحداثة والمعاصرة، قد وفرت الكثير من الوسائل والسبل التي تقلل من أخطار فجائية الأعاصير، فأول إعصار أؤرخ في عُمان كان عام 192هـ الموافق 806م يوم غرق الإمام الوارث بن كعب، إمام المُسلمين وقت كانت نزوى عاصمة عُمان، وهو يُحاول إنقاذ المساجين من الغرق، وبالقطع ليست تلك المرة الأولى، ولكن هذا الذي تمَّ توثيقه، وهناك ما عرف بجرفة "صفر" فسميت كذلك لأنَّها وقعت في شهر صفر، أو ما عرف بطوفان صحار، أو غرقة المصنعة، والتي مات فيها سبعمائة شخصاً غرقاً، وغير ذلك الكثير، ولكن القليل من ذلك تم تأريخه.

وهناك قصة أوردها سماحة العلامة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، رواها بناءً على سؤال من مقدم "برنامج سؤال أهل الذكر" عن أمطار غزيرة حدثت في زمن الإمام الصلت بن مالك الخروصي، فقد أتاه الناس يشكون إليه الضرر من كثرة الأمطار، والسيول الغزيرة، فاستجاب الإمام إلى شكواهم، وحضر إليهم وصلى بهم ركعتين ودعا ربه قائلاً: (اللَّهُمَّ إنك مننت فأعطيت فسقيت ورويت، ولك الحمد على ما أوليت، ولك الشكر على ما أسديت، اللَّهُمَّ على رؤوس الجبال، وبطون الأودية، ومنابت الأشجار) رواه الجاحظ عن ابن دريد الذي قال؛ وقد كنت حاضراً الدعاء، فاستجاب الله لدعائه، وتفرقت السُّحب في الحال، وهذه الحادثة لها دلالتان؛ الأولى دوام كثرة الأمطار على عُمان، والوجه الآخر من الموضوع، أن هناك أئمة أتقياء ولهم من الكرامات عند ربهم ما لهم، ذلك بما توجَّب على الله الاستجابة لدعاء الإمام والرحمة بالناس.

إذن؛ فإن التأريخ يُثبت تكرار الأمطار الغزيرة، والأعاصير الكثيرة على عُمان، وهي بين الخير والابتلاء، وذلك ليظل الإنسان بين الأمل والرجاء، فلا ينسى ربه إن هو غمره بنعيم الدنيا، ولا يقنط من رحمة ربه إن هو ابتلاه بالأعاصير والأنواء، وربما موقع عُمان الجغرافي يجعلها أكثر عرضة من جوارها من البلدان لهكذا أحداث.

وأن يحل بعُمان "شاهين" الأنواء المناخية، فليس ذلك رُزْئاً نمقته، وإنما بالصبر والصلاة والشكر، يورثنا الله منه الخير الكثير والماء الوفير، ونتعلم في كل مرة من الأنواء المناخية، حُسن إدارة الأزمات بالممارسة الفعلية، وحب التعاون والتعاضد الوطني، والشكر على ما أسدى الله علينا به من نعم وخيرات وفيرة، وذلك على ما وفقنا عليه من تواد وتراحم، فيبْهرك أبناء عُمان الأوفياء، فقد صفوا أساطيلهم من النقليات، وطوابير طويلة من المعدات الثقيلة، تطوعاً من ذات أنفسهم، وتبرعاً في خدمة الوطن "مجاناً" ودون مقابل، والمهم في الأمر عندما تجد الفرق التطوعية، تنبعث من تلقاء نفسها، فتشمّر السواعد للنجدة والمساعدة ودون مقابل ودون توجيه من أحد.. عدا الوازع الوطني؛ بل تجدهم يجمعون التبرعات المالية والعينية، فيتم توزيع ذلك بإشرافهم الشخصي المنظم، وهذا شيء قل نظير حول العالم؛ بل يكاد أن يكون ميزة عُمانية متفردة، وهذا عدا إمكانيات الدولة المتمثلة في معدات قوات السلطان المسلحة، وشرطة عُمان السلطانية، وهيئة الدفاع المدني والإسعاف، والبلديات والطرق وكل أجهزة الدولة.

وأن "الشاهين" الإنسان يتمثل في مواقف جلالة السلطان الأمين هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي كان يتابع الأمور خطوة بخطوة، وقبل أن تنزاح الغمة عمّا خلفه "شاهين" الأعاصير من أضرار، يكلف جلالته- أعزُّه الله- بتشكيل لجنة وزارية عاجلة، برئاسة وزير المالية، وذلك لتقوم بحصر الأضرار، وسرعة الاستجابة في جبر الضرر، وإصلاح ما أفسده شاهين المطر والرياح، وهنا يكون الفارق بين شاهين الطبيعة، وشاهين الإنسانية.

لكن ومع ذلك يظل في النفس تساؤل؛ أين كبار التجار وملاك الأموال في عُمان؟!! إن كانوا حقاً ينتمون لعُمان كوطن.. فهذا يومهم، أما إن كانوا مجرد مسميات في الواجهة، وأصحاب المال الحقيقي في الخارج.. فعذرهم معهم، لأنَّ الذي رأيناه من تبرعات ومبادرات سخية من أصحاب شركات عُمانية حديثة، لم تكن معروفة للعامة من قبل، والحقيقة يجب أن تُغيّر الحكومة نظرتها الجادة تجاه هؤلاء الوطنيين بحق، وأن تقرر دعمهم لتصنع منهم رجال أعمال المُقدمة، وذلك وقوفاً مع القاعدة التي تقول: "وكما تراني يا جميل أراك".

اللَّهُمَّ أحفظ عُمان وسلطانها من كل سوء، وأيدنا بالنصر المؤزر على كل شيء، وشكراً جزيلا للذين وقفوا معنا من دول الخليج والجزيرة العربية، وعلى رأسهم دولة الكويت الشقيقة، ولا شكر للشامتين.. اللَّهُمَّ ولا تجعلنا للشامتين الأشقياء خصيما.. يا ربِّ العزّة والجلال.