متحفُ في كُل مُحافظة

 

راشد بن سباع الغافري

يَعلمُ جميعنا حجم المواد التراثية التي تزخر بها كل محافظة من محافظات السلطنة، كما نعلم كمّ التنوع في تلك المواد والتي تتفاوت بحسب طبيعة تلك المحافظات وموقعها الجغرافي، ولهذا ندعو فعلًا لأن يكون لكل محافظة مُتحف يحفظ لها ما تبقى من تلك الأدوات، ويكون شارحًا لتاريخها من كل النواحي.

لو حدث ذلك لأصبحت تلك المتاحف مزارات سياحية تضاف إلى ما تتمتع به كل محافظة من تنوع طبيعي وآثار تاريخية، ولتمكنّا من خلال تلك المتاحف أيضًا من حفظ كثير من الأدوات والملابس والآثار والحُليّ والمقتنيات المجتمعية من التَّلف والضياع. وبالتأكيد ستكون معلمًا حضاريًا يشرح جانبًا من تاريخ تلك المحافظات وما مرَّت به في مختلف العصور، وسيكون ذلك رافدًا مهمًا للباحثين وطلبة العلم والسائحين سواء كانوا من الداخل أو من الخارج. والأهم من كل ذلك أنها ستربط حاضر الأحفاد بماضي الأجداد، وستكون مادة ثقافية مع كونها تاريخية وتراثية؛ تعلم هؤلاء الأبناء مصطلحات ومسميات لأدوات ما عادت مستخدمة؛ فكثير من هؤلاء الأبناء لم يمارس العمل بتلك الأدوات ولا توجد لديهم الفكرة الكافية عنها وعن كيفية صناعتها والمواد المستخدمة فيها وطبيعة العمل الذي يُمكن إنجازه بها.

إنَّ بعض المواقع التراثية في المحافظات يصلح لأن يكون "متحفًا مفتوحًا"- إن جاز التعبير- على غرار منطقة البليد الأثرية في محافظة ظفار، والتي تمَّ تصميمها لتكون متحفًا مفتوحًا بمرافق متعددة، وممرات موصلة لشواهد تاريخية متنوعة، فعلى سبيل المثال لو تم تصميم مدافن "بات" بمحافظة الظاهرة لتكون متحفًا مفتوحًا مع إضافة مرافق سياحية واستثمارية، لكانت أكثر جذبًا مما هي عليه الآن.

وفي المحافظات أيضًا كثير من الحصون والأبراج والقرى الأثرية لم تُستغَل بالطريقة المأمولة؛ بل إن كثيرًا منها بتنا نرقب انهيارها شيئًا فشيئًا بفعل عوامل الطقس والمناخ، ولو استُغلت هذه الحصون لتكون مزارات تراثية وتاريخية من خلال فتحها للزوار وترتيبها من الداخل بما يتوافق والدور الذي كانت تقوم به في الماضي، ومن الخارج بتنشيط ساحاتها بأسواق شعبية وتراثية وتصاميم مجتمعية؛ لكانت هي الأخرى عاملَ جذبٍ للسياح من الداخل والخارج.

هذه التطلعات ليس بالضرورة أن يكون تنفيذها رسميًا من جانب الحكومة؛ وإنما يُمكن أن يقوم بها أبناء القرى والولايات في تلك المحافظات ويكون عائدها للمحافظة ولصيانة هذه المواقع.

في الختام.. من المُفيد حقًا أن تُخصص أراضٍ لإنشاء متاحف مصغرة في الولايات تحفظ لكل ولاية جانبًا من تراثها المادي، وبالتأكيد هناك شباب كثر قاموا بمبادرات فردية لجمع العديد من الأدوات التراثية في قراهم؛ خشية عليها من التَّلف وأيضًا للمشاركة بها في معارض ومناسبات مختلفة، وأمثال هؤلاء سيكون من الجيد لو تم مساندتهم بمقرات ثابتة لحفظ هذه التراثيات بطريقة مُنظمة، بدلًا من تكديسها في غرف منازلهم، أو حفظها بطريقة لا تتناسب مع تلك الأدوات.

فعسى أن نرى قريبًا مثل هذا التوجه الحضاري.

تعليق عبر الفيس بوك