علي بن سالم كفيتان
درج أصدقاؤنا الإنجليز على إطلاق الأقوال والأمثال ومنها "الفيل في الغرفة" كدلالة على وجود مشكلة بحجم الفيل في غرفة صغيرة يجتمع فيها أصحاب الحل والعقد لإيجاد مخرج لتلك المشكلة، لكنهم يخوضون في خيارات كثيرة جميعها تتجاهل وجود الفيل الجاثم خلفهم، لذلك انتبه الإنجليز لضرورة النظر بعناية لهذا الجسم الضخم؛ فهيجانه يعني خسارة أكبر، ولأنهم سادوا الدنيا بتدبيرهم، والحديث ما زال عن أصدقائنا الذين ظلوا على وفاق معه ولم يعادوه يوماً، فجل همه هو الماء والكلأ وبحيرات موحلة يأخذ فيها حماما طينيا، ليبعد الحشرات عن جلده الخشن، ورغم أننا نتبع نهج أصدقائنا في كثير من الأمور، إلا أنَّ الفيل ما زال في الغرفة، ولا يُعيره أحد اهتمامًا.
وعند الحديث في ذات السياق أتذكر مُستغربًا من حدس الشاعر الظفاري الكبير محاد الفهد كشوب- عليه رحمة الله- قبل نصف قرن، وهو يتحدث عن شراسة الفيل في إحدى قصائده، رغم أن هذا المخلوق لم يعد من سكان جزيرة العرب منذ زمن بعيد، فيصفُ الفيل وهو يعصف في الساحة ويقذف بالفرسان ويحطم كل ما حوله، عندما يغضب في صورة بلاغية، قلّما نجدها اليوم عند شاعر آخر، وأذكر أنني سألت الجدة عن مصطلح الفيل الذي كان خارج قاموسي العقلي، كما ورد في نص الدبرارات (فن ريفي ظفاري)، فوصفت لي حيوانًا أسطوريًا ضخم الجُثَّة، له أنف طويل وأنياب حادة؛ لذلك لم أجد صعوبة في معرفة الأفيال التي صادفتها للمرة الثانية في كتب المنهج القَطَري، آنذاك، ويقال إنَّ متحف أرض اللبان في ظفار يحتفظ بجمجمة فيل وناب قرد.
إن الاعتراف بوجود الفيل يُعد مرحلة مُتقدمة، حتى قبل التفكير في الحل الذي يخرجه من الغرفة دون أضرار، فمن السهل فتح أحد الجدران لتأمين مغادرة آمنة وتركه يسرح لبعض الوقت في الفضاء الفسيح، فيصرخ بعيدًا عن الغرفة، ويركض مع بقية القطيع نهارًا كاملًا، ولا شك أنه سيعود لدفء الغرفة في المساء، فسوف يتذكر حكمة المجتمعين حول الطاولة؛ لأنهم قدّروا وجوده وذكروه قبل المغادرة أن الغرفة ستعج بما لذَّ وطاب في المساء، وأنهم يخططون لإنشاء متنزه وطني للفيلة، لا ينافسهم فيه أحد، يسرحون ويمرحون كيفما شاءوا في أجواء حميمية لطيفة، وتقدير عميق من أصحاب الطاولة.
عندما نظر العالم لناب الفيل على أنَّه ثروة، كادت الفيلة أن تنقرض بسبب جشع الإنسان، لكن النظرة الواقعية لجمال الفيل وتحريم بيع أعضائه وإبعاده عن صالات السيرك، أعادت الأمل لهذا المخلوق الضخم، فوجوده اليوم يدر المليارات على البلدان التي اعترفت بوجوده ومنحته حرية التجوال في المروج مجددًا؛ حيث يقوم الفيل اليوم بتشغيل الكثير من السكان المحليين، فوجوده بات جاذبًا للسياحة، ومهاراته فاقت أضراره، رغم أنَّ بعض الذين يفضلون تجاهله يرون في خفه الكبير أداة لتدمير الحشائش، وبطنه التي تتسع لطن من الأعشاب يوميًا، هدرًا للموارد الطبيعية، فحسب نظريتهم أن يبقى في الغرفة أفضل من الاعتراف به، وإطلاقه للخارج، وما زالت نظرية الفيل في الغرفة قائمة، هناك من استفاد منها، وهناك من لا زال يتجاهلها ويترقب عواقبها.
لقد تضخمت الفيلة في الكثير من الغرف؛ لدرجة أنَّ المجتمعين للبحث عن حلول، منقلبون على وجوههم وهم ينظرون بهلع لرجله الضخمة المغروسة بينهم، بينما يدور عليهم الأخ كومار بفناجين القهوة؛ وهو يتحرك بكل حرية مرددًا أحلى الأنغام القادمة من القارة الحالمة، فالرجل ثقافته تتوافق مع وجود الفيل، ومن عجائبهم أنهم يستخدمونه كوسيلة نقل.. كم اشتقنا للأفلام القادمة من هناك؛ حيث لا يموت البطل؟! ربما علينا تحوير هذه المقولة الغربية بحيث تكون متوافقة مع ثقافتنا أو نقوم بمحاولة للبحث في المعجم العربي عن مماثل لها نتفق عليه ونؤمن به، بحيث نعترف بكل أمر تضخم واستفحل أمره ونبحث له عن حلول ناجعة.
وفي الختام.. نسوق لكم مثلاً بلهجة أهل الريف الظفاري؛ حيث يقولون "أدريم جولش يشقضو علجن" فيما معناه "من فقد جمله يقضي قعود" (ذكر الجمل الصغير) فيكون لا مناص من الصبر عليه حتى يكبر ويتحمل الثقل؛ لذلك قد نستعين بهذا المثل نيابة عن الفيل ونقول "الجمل في الغرفة"؛ كون الجمل عندنا يوازي الفيل عند أمم أخرى!
حفظ الله بلادي.