"واصبر نفسك"

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

حينما خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون وجعل الإنسان خليفته في الأرض احتجت الملائكة وقالت "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك"، فقال الحق تبارك وتعالى "إنّي أعلم ما لا تعلمون".

انظر عزيزي القارئ إلى محبة الله تعالى لنا نحن بني البشر، فرغم احتجاج الملائكة الذين لا يعصون الله ويفعلون ما يُؤمرون، إلا أنه تبارك وتعالى اختار بني آدم للخلافة في الأرض وعمارتها، فبعد ذلك ألا يستحق هذا الخالق العظيم أن نتأدب معه ونأتمر بما أمر به، وننتهي عما نهى عنه.

وعندما أمر الله جلّ جلاله الملائكة أن اسجدوا لآدم فسجدوا، ما كان من إبليس إلا أنه أبى واستكبر وكان من الكافرين، والسبب أنه احتكم إلى عقله القاصر بعدما جاءه أمر الله فرفضه، وحينما رفض أمر الله كانت النتيجة طرده من رحمة الله، وخلوده في نار جهنم أبد الآبدين والعياذ بالله.

لكن حينما تم تعطيلُ العقل وقدراته من قبل الأنبياء بعدما جاءهم أمر الله وتم تنفيذه بحذافيره، جاءت النصرة المبهرة والنتائج كانت مدهشة وفوق ما يتخيله العقل، ومثال على ذلك حينما أمر الله جل جلاله سيدنا موسى بأن يضرب بعصاه البحر، في الوقت الذي كان فرعون وجنوده يطاردونهم ويتبعونهم من أجل النيل منهم، ويعدون خلفهم بغيا وعدوا من أجل الإطاحة ببني إسرائيل وبسيدنا موسى.

فسيدنا موسى عليه السلام لم يتردد في تنفيذ أمر الله، ولم يتوانى في الشروع بتنفيذ الأمر الإلهي، كأن يكون مثلا تساءل بعد أمر الله له وقال، لماذا أضرب البحر بعصاي، أو لو ضربت البحر بالعصا ماذا سيحدث وماذا سيجري، ولماذا يريدني ربي أن أضرب البحر، أو لماذا يريدني أفعل كذا وكذا.

فعليه السلام لم يحدث نفسه بهذا، بل نفذ أمر الله تبارك في علاه مُباشرة، فكانت النتيجة أكبر من تصور العقل وفهمه وتخيله، إذ إنَّ البحر بعد أن ضربه عليه السلام بعصاه انفلق، فكان كل فرقٍ كالطود العظيم، فكيف بنا نحن البشر لو نفذنا أمر الله كم هي الرحمات التي ستتنزل، وكم هي الأحوال التي ستتغير وستتبدل.

الذي حدث ويحدث في هذه الأمة، هو أنها عطلت أمر الله، وصار أفرادها ومنتسبوها وأهلها يبارزون الله بالمعاصي، ويحاربونه بالذنوب، ويستهترون ويستخفون بما أمر به جلَّ جلاله، وبالصالحين والمصلحين، مع أن الله تَعالى قال لكل منِّا "استقم كما أمرت"، فيا ترى هل كل منِّا استقام كما أمره الله؟ قطعاً لا. والنتيجة أننا استحقينا غضب الله وسخطه، والآن نحن في حال وأحوال لا يعلمها إلا الله.

أخي الحبيب.. نعلم جميعًا أن هناك مُمارسات خاطئة من الأبناء مثلاً لأسباب مختلفة، إلا أن وجود الغنى والترف في ظل غياب الدين من حياة أولئك المنعمين مفسد لهم، والمال في هذه الحال يكون عليهم نقمة، فمع تقدم الوقت هم يتمرغون في نعم الله ويقصرون في حقه، وهذه مصيبة عظمى.

فبعض الآباء يعتقد أن إغداق المال على أبنائهم سيؤدبهم وسيربيهم وسيكسبهم أخلاق وصفات الصالحين ولكن هيهات.

قارئي العزيز.. إنَّ توجيه بوصلة الذات نحو الواحد الأحد الفرد الصمد ومعرفته حق المعرفة يجب أن تتم المسارعة فيه؛ إذ إنَّ هذا الفعل يحقق من النتائج الطيبة والمرجوة ما لا يحققه المال والجاه والمنصب والكرسي، وشئنا أم أبينا لو نريد سعادة الدارين، فعلينا الامتثال لأمر الله تعالى عاجلا وليس آجلا، وعلينا بالاستقامة الفورية وأن ننشد الصلاح الذي لا يأتي إلا من خلال ملازمة حلق الذكر وبيئات الإيمان بشكل يومي، فهي كثيرة والحمدلله.

إنَّ رب العزة والجلال يقول "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يُريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدّنيا ولا تُطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا".

لهذا فإن تصبير النفس في مجالس الذكر والإيمان، يذهب بالكثير من النواقص والعيوب والسيئات والسلبيات، والرفقة الصالحة التي تعيننا على القرب من الله تعالى وتذكرنا به دوماً، أفضل من الشلة والصحبة الفاسدة.

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال: إنّما مثل الجليس الصّالح وجليس السّوء: كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إمّا أن يحذيك، وإمّا أن تبتاع منه، وإمّا أن تجد منه ريحًا طيّبةً، ونافخ الكير إمّا أن يحرق ثيابك، وإمّا أن تجد منه ريحًا منتنةً.

أقول حقيقة من يريد صلاح نفسه وأولاده ووطنه وبلده ومجتمعه عليه بملازمة بيئات الدين والإيمان ففيها كل الخير والفائدة والصلاح بل هي الصلاح كله، وفيها ترقية من الله جلَّ جلاله، وهذا الذي يجب أن نبحث عنه وننشده حتى نعيش في حب الله ورضاه علينا وعلى من هم تحت إمرتنا.

تعليق عبر الفيس بوك