خمسة أقلام نسوية

 

ناصر أبو عون

في عالم الصحافة المُضبب بأغشيةٍ سميكةٍ من الرؤى، وتحت سماء الكلمات المُزينة بأفكار أُولي النهى، وفي مضمار الكتابة المُغبش بسُخام أقلامٍ لا تُعد ولا تُحصى، تطلُعُ شمسُ "جريدة الرؤية العُمانية" مُبددةً "إدلاج ليلٍ على خيفة ٍ، وهاجرةٍ حرها يحتدم" من الأصوات السائرة على غير هُدى، ومُعرضةً بوجهها عن كُل عاقصٍ لقرن الكلام، وقامشةً الأقلام المُتناثرة في الطُرُقات تبحثُ عن حاضنةٍ للإبداع، ومُستمطرةً الابتكار والأفكار من النجوم الزاهرة السيارة في فلك عُمان.

ولا يخفى على لبيبٍ، وصاحب كُل رأي أريبٍ أن "جريدة الرؤية" نذرت أقسامها الصحافية أكنافًا لكل مُتغوثٍ مُرتاب، وفتحت أبوابها أهضامًا لكُل مُتنورٍ أواب، وقيض الله لها حاتم الطائي يُعطي "عطاء من لا يخشى الفقر" ويأخُذُ بيد كُل مُتبتل في محراب الكتابة، عاشقٍ للكلمة والكتاب.

من هذه المُقدمة التراثية التليدة لفظًا ومعنىً ومبنىً ندلفُ من صحيفة الرؤية إلى عالم الكُتاب والكتابة، الرحب المُشع بأقمارٍ لا يخبُو ضوؤُها، ولا ينُضُبُ فكرُها، ولا ينطفئ قنديلُها. وبعيدًا عن جدل التصنيفات النوعية والأيديولوجية ما بين أقلامٍ ذُكوريةٍ طاغيةٍ، وأُخرى نسويةٍ خابية، نُسلطُ الضوء في هذه الزاوية على خمسة أقلامٍ شابة تستحق القراءة، يُبددن حُلكة الإنكار المُتعمد من قبل "حارس البوابة" في وسائل إعلاميةٍ مُؤدلجة.

فرضت الشاباتُ الخمسُ أسماءهُن في المشهد الصحفي، ووضعن قدمًا راسخةً رُسوخ جبل "حوراء" في قُدسيته وشُمُوخه على أرض الإبداع، ونفضن الغُبار عن رصانةٍ فكريةٍ مُتدثرةٍ بأردية الخضار الطبيعي في جبال ظُفار، وقدحن زناد الفكر على "سُفُوح جبال الحجر الغربي فاهتدين بنُجُوم "الربع الخالي" إلى طريق الحقيقة.

وخُروجًا من قيد المألوف، سنرصُدُ هُنا وفي عُجالةٍ ملامح أُسلوبيةٍ وصُورةً قلميةً للأسماء الخمسة نُوردُ ذكرها مُجتمعةً وفق الترتيب الأبجدي إخمادًا لنار الغيرة والحسد التي قد يدخُلُ من فُرجتها عُتُل زنيمٌ، أو حاسدٌ رجيم، فيُؤلبُ القُلوب، ويُوغرُ الصدُور نافخًا ريح السمُوم؛ إنهن: الطليعةُ الشحريةُ، وسعيدةُ البرعميةُ وفايزة الكلبانية، ومدرينُ المكتوميةُ، وودادُ الإسطنبولي. هذه الأقمارُ الخمسة تدُورُ في الفلك العُماني؛ تلك البُقعةُ المُباركةُ ذاتُ الامتداد الحضاري الضارب بأوتاده مُنذ القرن الثامن قبل الميلاد في أعماق التراث الإنساني والعربي والمُتجذر في تُربتها حيثُ اللغةُ البكرُ، وبراءةُ الصورة البلاغية، ونصاعةُ الأسلوب البياني.

ما زالت هذه الأقمارُ الخمسةُ تمتحُ من معين الإبداع العُماني الذي لا ينضُبُ، وتغمسُ سن قلمها في محابر شراييانها، وتكتُبُ أوجاعها وآمالها بدم قلبها، وتُواصلُ دورانها وفق نامُوس الإبداع في مدار جريدة الرؤية؛ فهي تتلاقى في ملامح مُتشابكةٍ، وخُطُوطٍ لُغويةٍ، وقضايا وطنيةٍ مُتقاطعة.

استفادت الأقلامُ الخمسةُ من المُناخ الديمُوقراطي، وحُرية التعبير المُقننة المسؤولة، والثقة التي تبُثها إدارةُ التحرير ليل نهار في الأجيال الجديدة المُتتالية في مُعالجة قضايا الوطن (الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. إلخ) من باب النقد البناء، واعتماد استراتيجية التلميح لا التصريح، مُتوسلاتٍ بمنهجٍ نقاشي موضُوعي وحيادٍ إيجابي يذهب في كُل أبعاده إلى التوضيح ولا يركنُ إلى التجريح.

إلا أن لكُل قلمٍ للأقمار الخمسة لهُ ما يُميزهُ ويتفردُ به بين أقرانه مع ما يشتركُ فيه من خصائص تجمعُ هذه الثلة المُستنيرة من فتيات عُمان اللائي اخترن الكتابة الصحافية منهاجًا يستلهمن عبره رُوح الحداثة، و يتشبثن بأهدابه، ويمتطين مُهرة التراث ولا يحدن عنهُ قيد أُنملة؛ فمدرينُ المكتوميةُ والطليعةُ الشحرية تركبان قارب السرد، المشحُون باللغة الدرامية، ويتمنطقن بمُقدماتٍ لا تخلُو من مشاهد سينمائيةٍ، وافتتاحياتٍ قصصيةٍ، تستدعي الواقع بشخُوصٍ حيةٍ تسعى إلى حديقة الكلمات، بينما سعيدةُ البرعميةُ وفايزة الكلبانية يضعن قدمًا في بحر الواقع، والأُخرى في لُجة الحقيقة فتتمزقُ الحُجُبُ؛ فالكلبانيُة تُحاورُ الأرقام لتفقأ عين النفاق، غير أن البرعميةُ تمتطي صهوة الجدل الأفلاطُوني وتحملُ في يمينها مصباح "ديوجين"؛ لبناء منهجٍ "يرتفعُ بالعقل من المحسُوس إلى المعقُول".

خامسُ هؤلاء الأربعة تأتي وداد الاسطنبولي؛ لترش الكلمات بصُورٍ بيانيةٍ؛ فقلمُها لا يمل من رص التعبيرات البلاغية، والصور المُركبة والبيانية ويكادُ أن يتحول المقالُ تحت سطوة إحساسها المُمتليء بمشاعر فياضةٍ إلى قصيدةٍ شعرية، وقطعةٍ نثريةٍ تتوارى فيها الأوزانُ خجلًا.