حُب العِلم

حاتم الطائي

◄ تطوير التعليم لا يتوقف عند حدٍ معين.. بل يستمر للأبد

◄ علينا أن نغرس في نفس الطالب الشغف بالعلم والفضول في المعرفة

مع بزوغ فجر هذا اليوم تُشرق في الساعات الأولى شمسٌ جديدة على وطننا الغالي، فمع انتظام 702658 طالباً وطالبة على مقاعد الدراسة حضوريًا ومدمجًا في 1204 مدارس، وسط إجراءات احترازية، تعود الدراسة مرة أخرى بكل أمان واطمئنان، يعود أبناؤنا إلى تلقي دروس العلم والمعرفة مع مُعلميهم مباشرة داخل الفصل الدراسي، فينعمون بتجربة تعليمية حيَّة مُفعمة بالنشاط.

ففي ظل التداعيات السلبية لجائحة كورونا، مرَّ عامٌ ونصف العام الدراسي، وطلاب العلم في مُختلف المراحل بين تعليم حضوري ومدمج تارة، وتعليم عن بُعد بالكامل تارة أخرى.. فترةٌ عانى خلالها الجميع من معلمين وطلاب وأولياء أمور، كُلهم تعرضوا لضغوط هائلة وتوترات وشد وجذب، تسببت في فاقد تعليمي أقرت به وزارة التربية والتعليم، وأكدت سعيها الحثيث لردم فجوة هذا الفاقد، في مرحلة التَّعافي التي نعيشها الآن. وبينما نحن نمضي بخطى ثابتة نحو العودة التدريجية للحياة الطبيعية في شتى مجالات الحياة، ومع وصول معدلات التطعيم باللقاحات المضادة لوباء كورونا لمستويات مُرتفعة، علينا أن نولي المزيد من الاهتمام بتطوير قطاع التعليم، لا سيما وأنَّ هذا القطاع بحاجة دائمة إلى التطوير والتحديث، نظرًا للتطورات المتلاحقة في الحقل المعرفي، فالاكتشاف العلمي اليوم يتحول إلى ماضٍ بعد فترة قصيرة، والتقدم المعرفي يتغير كل لحظة، بما يفرض على جميع المؤسسات مُواصلة السعي لمواكبة هذه المتغيرات.

وعندما نتحدث عن تطوير التعليم، لا نقصد بذلك فقط تحديث المناهج الدراسية أو طباعة كتب جديدة، أو إتاحة المحتوى التعليمي إلكترونيًا، أو بناء مدارس جديدة؛ بل إنَّ الأمر في جوهره يرتكز على غرس حُب العِلم في نفوس الطلاب، وتعظيم الشعور بالشغف تجاه التعليم، وزيادة الفضول لدى الطالب للتعرف على العلوم الحديثة واكتساب المهارات، وتنمية الرغبة الصادقة في الذهاب إلى المدرسة كل صباح والابتسامة تعلو وجه كل طالب.. تطوير التعليم يستلزم بناء فلسفة خاصة واستراتيجية واضحة المعالم وبعيدة المدى، تنص صراحة على كيفية تطوير المهارات السلوكية والفكرية والجسدية، قبل تلقين الطلاب الدروس ومعادلات الرياضيات والفيزياء، ولا ينبغي هنا أن نرجح كفة على أخرى؛ بل أن نوازن بين صقل الخبرات الشخصية وتزويد الطلاب بالمعارف العلمية التي تعينهم على شق طريق نجاحهم في الحياة العملية. وهذا الشغف تجاه التعليم الذي أتحدثُ عنه، يعني ببساطة أن يستقيظ الطالب كل صباح وهو عاقد العزم على الاستفادة من كل دقيقة يقضيها في الحرم المدرسي، وأن يشعر الطالب بالسعادة والبهجة مع تلقي المعلومات وحل المسائل الرياضية، وتفكيك المعادلات الكيميائية، وممارسة الرياضة في المدرسة، وغير ذلك من مهام وأنشطة يقوم بها الطالب داخل مدرسته.

ومن يُمن الطالع أن وزارة التربية والتعليم أعلنت أنها سبتدأ اعتبارًا من اليوم، تدريس مُقرر "ريادة الأعمال" ضمن مادة المهارات الحياتية، وهذا تطور مهم وينبغي البناء عليه؛ إذ لا يجب أن يتوقف الأمر عند المقرر النظري وتلقين الطالب بعض المعلومات أو سرد قصص نجاح مُجردة من التطبيق العملي؛ بل يتعين إتاحة المجال أمامه لممارسة ريادة الأعمال في مدرسته وبيئته المحيطة، من خلال التوسع في الشركات الطلابية، والسماح للطلاب بإدارة المقصف المدرسي، فالمنهج وحده لا يكفي، والأمر يستلزم تطبيقًا عمليًا على أرض الواقع، يجري الطالب من خلاله الحسابات ويشتري البضائع ويبيعها لأقرانه ويتعلم مهارات التفاوض، وذلك تحت إشراف المُختصين.

تطوير التعليم يحتاج كذلك إلى تطوير منظومة "التعليم عن بُعد"، فما زلنا في بداية الطريق، ورغم التعافي التدريجي، إلا أنَّ هذا النوع من التعليم يجب أن يكون أحد الخيارات المستقبلية، وخاصة في المراحل الجامعية، بالطبع هذا النوع من التعليم غير نافع لطلاب الصفوف التأسيسية، لكنه مُفيد للغاية لطلاب الجامعة والدراسات العُليا، والراغبين في الحصول على مستوى تعليمي أكثر تقدمًا من الخارج، دون الاضطرار للسفر والاغتراب.

ويبقى القول.. إن عملية تحديث التعليم تستغرق سنوات وربما عقود، لكنها تؤتي ثمارها من خلال تخريج أجيال متسلحة بالعلم والمعارف، قادرة على بناء الوطن بسواعدها الفتية، ولذلك لا مناص من 3 صفات أساسية يجب غرسها في نفس كل طالب: الشغف والفضول والبحث، عندئذ سنجد أبناءنا في مقدمة الصفوف، رافعين لواء التقدم الحضاري، ليقودوا الأمم- وليس عُمان وحسب- نحو الرخاء والازدهار.