18 شهرًا من العزلة!

 

مدرين المكتومية

مرَّ علينا ما يُقارب 18 شهراً من الضغط النفسي، وانقطاع الحياة بتفاصيلها الكاملة، 18 شهرًا كنَّا ننتظر خلالها عودة الحياة لطبيعتها، عودتها بالشكل الذي نراه اليوم ونحن نستيقظ صباحًا، ازدحام الشوارع، وعودة الطلاب لمدارسهم، وعودة الموظفين لأماكن عملهم، وازدحام المقاهي والمطاعم وغيرها من الأشياء التي فقدناها منذ زمن بعيد، وفقدنا رؤيتها.

كنَّا في مرحلة من الزمن نتذمر من كل هذه المشاهد، ونتمنى لو أنها تنتهي وتتوقف، وبمجرد ما فقدنا التعايش معها في ظل جائحة كورونا، شعرنا بحجم المأساة التي نعيشها، وشعرنا كيف أننا لا يمكن أن نضمن أي شيء على وجه الأرض، ولا يمكن أن نستأمن الوقت والزمن أبدًا.

ها هي الحياة تعود تدريجياً، بعد أن كنَّا نختنق، بدأنا نتنفس وأخيراً، نتنفس الحياة بكل تفاصيلها، وكل لحظاتها، إننا نشعر فعلا أن هناك شيء ما كان يكبت على أنفسنا، وها نحن الآن تحررنا منه، إنها الحياة بتجلياتها، بكل تفاصيلها، بكل روعتها، بكل لحظاتها، ها نحن نعيش مرحلة الانتقال من الخوف والتوجس والفزع، من أخبار الوفاة التي أخذت منِّا الكثير ممن نحب ونرغب، كانت أشهر أشبه بالسنوات للكثير من الأشخاص الذين ابتعدوا كثيراً عن الحياة خاصة من يعانون من مشاكل صحية مزمنة، كانت صعبة على الجميع، عن من قرر أن يبتعد عن عائلته خوفا من أن يكون حاملاً للفايروس.

أنا اليوم أكتب لكل طبيب وممرض كان يقضي حياته بين مريض يسعفه، وخبر وفاة يُقدمه لأسرة تنتظر عودة مريضها، وبين عودته للمنزل كل يوم خائفا مرتعدا من أن يكون سبباً في نقل العدوى لأحد أفراد عائلته، لكل الطاقم الطبي الذي ضحى بحياته لأجل الآخر، وظل صامداً في وجه هذه الجائحة.

أكتب للحياة التي عادت من جديد، أكتب بكل سعادة ورضا أن الله منحنا المزيد من الوقت لنستشعر قيمة الأشياء من حولنا، ولنكون مُمتنين لكل اللحظات السعيدة التي غفلنا عنها، ولكل اللحظات التي عشناها دون أن ندرك مدى روعتها وجمال لحظتها، إنني اليوم وبعد كل تلك الأشهر من الانقطاع أشعر وأننا نعيش الحياة من جديد، وكأننا نستيقظ بميلاد جديد، يحتاج منِّا أيضا أن نفكر بعُمق بكل ما حولنا وبكل خياراتنا وبكل من هم حولنا، ونعيد صياغة كل ما نحن فيه وفق من يجب أن يكونوا معنا ومن يجب أن نتركهم خلفنا، يجب أن نبدأ الحياة بفرح، نبدأ هذا الفرح بخيارات معينة، ووضع معين، ونختار كل شيء وفق ما نريده خلال الفترة المقبلة والأيام التي نترقبها بكل شغف، الأيام التي حرمنا منها لفترة طويلة، ولكنها عادت إلينا بعد طول انقطاع، عادت بأجمل مما كانت عليه، عادت لأننا فقدناها ذات يوم، عادت لنشعر أنها لن تتكرر ولن نحرم أنفسنا متعة العيش فيها.