فايزة سويلم الكلبانية
سطّر أبطالُ المقاومة الفلسطينية ملحمةً جديدةً مفعمة بالفخر والزهو، بعدما نجح 6 من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي في انتزاع حريتهم من أحد أقوى سجون الاحتلال وأشدهم حراسة، عبر أدوات بسيطة لا يمكن توقعها، فعبر ملعقة الطعام، كافح الأبطال المغاوير لحفر نفق يخرج بهم من ضيق السجن وظلماته إلى رحابة الحرية ونورها الذي يضيء الكون، لولا ظلم الجبابرة وقهر المعتدين.
هي ليست فيلمًا أنتجته شركات السينما في هوليوود، ولا دراما مسرحية نسجها خيال كاتب أراد أن يُشعل الحماس المعنوي في نفوس جمهوره؛ بل هي ملحمة واقعية وبطولة تاريخية، سيذكرها الأبناء وكل الأجيال، هي انتفاضة ثالثة وإن لم يشارك فيها جموع الفلسطينيين، هي رد على العدوان المستمر والممنهج من المحتل الصهيوني الغاصب، الذي نكل بالأسر وهدم المنازل وسرقة الأوطان.. إن فرار الأسرى الفلسطينيين من السجن الإسرائيلي، صفعة قوية على وجه قادة الاحتلال، ولطمة عنيفة على وجهوهم.
ولذا علينا جميعاً أن نقف وقفات إكبار وتقدير لهذه الملحمة الكبرى، التي نفذها الأسرى الفلسطينيون عبر "نفق الحرية"، والذي جدد بتفاصيله الهمم العالية، والإرادة بأنَّه لا مستحيل أمام تحقيق أحلامنا وطموحاتنا، ولابد من الصراع مصحوبا بالصبر والعزيمة من أجل بلوغ غايتي وأهدافي المتجددة مهما كانت التحديات "حتماً.. سنصل".
لطالما نستحضر بداخلنا التحفيز بمثل هذا الحدث التاريخي الأسطوري حول هروب ستة أسرى فلسطينيين مؤخرا من أكثر السجون الإسرائيلية حراسة (وهو سجن جلبوع) بمنطقة بيسان شمالي فلسطين المحتلة، والذي أصبح حديث الجميع ومختلف المجالس وحديث العالم بأكمله، فكما وصف البعض هذا الهروب بأنه الهروب الهوليودي على أحداث الفيلم الأمريكي "الهروب الكبير"، والذي جاء على أعقاب هروب أسرى مُعتقلين في الحرب العالمية الثانية، وتشير كافة المؤشرات وتصريحات المسؤولين بأن هذا النفق الترابي استغرق وقتاً طويلاً للحفر.
ورغم أن الأحداث والتفاصيل الحقيقية للفيلم الأمريكي "الهروب الكبير" البعض منها خيالية وليست متطابقة مع الواقع آنذاك، وأهمها فشل السجناء الأمريكيين في الهرب من السجن في ذلك الوقت، لأنه مع اقتراب الموعد المُحدد للهرب من السجن عبر النفق الذي حفروه جاهدين، تم نقلهم إلى زنزانة أو مُعتقل آخر، وبهذا لم تتوج بهروب الأسرى السجناء، مما أدى إلى اكتشاف مخططاتهم، ومعاقبتهم بطرق إعدام مختلفة، وليس كما جاء في أحداث الفيلم بأنه تمَّ إعدامهم بشكل جماعي، فكل هذه الأحداث هي "خيالية" لإضفاء نوع من الإثارة والحماس للفيلم، على عكس الحال مع واقع الأسرى الأبطال الفلسطينيين حيث توجت جهودهم بالنجاح بفضل من الله وتوفيقه، وبجهد وصبر وإرادة وعزيمة رافقتهم بكل تأكيد، وتستحق أن يفرد لها فيلم سينمائي متجدد.
يعجز القلم أن يسرد السطور، ويخط كلمات توصف هذا الانتصار التاريخي الذي سيظل خالدا لدى المنظومة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي والتي لطالما كنا نسمع بأنها المنظومة الأفضل في العالم، ويعلمنا جميعا كبارا وصغارا بأنَّ إرادة وعزيمة الفدائي والمقاوم والمجاهد لا يمكن أن تهزم، محلقين إما النصر أو الشهادة، والصراع من أجل حرياتهم مستمر ومتواصل لدى المجاهدين بمختلف أعمارهم سواء كانوا داخل السجون والمعتقلات أو خارجها يجاهدون على أرض الوطن المحتل حتى النصر أو الشهادة.
في المقابل يذكر عدد من المغردين ممن نتشارك آراءهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، والبعض منهم يكون من المعتقلين بنفس السجن، وتمَّ تحريرهم وممن عايشوا الأوضاع الحياة اليومية وتعامل السجان مع المسجونين وأنظمة الحراسة يؤكدون صعوبة الهروب من سجن جلبوع المحصن بالجدران الأسمنتية العالية والكلاب البوليسية، والبعض يؤكد أن حراس السجن يأتون كل ربع ساعة لتفقد السجناء بكل زنزانة، وكل 6 أشهر يتم تغيير السجناء من معتقلاتهم، والبعض يؤكد أنَّه كل 3 أشهر يتم تفتيش الأقسام تفتيشا كاملا وتخرج جميع الأغراض، والسجن محاط بكاميرات وأبراج مراقبة، ويمنع حراس السجون من استخدام هواتفهم لتكون عيونهم مفتوحة ومركزة على الحراسة، وغيرها من الحقائق التي يرويها المطلعون على الأوضاع، وبالرغم من كل هذا فعلها الأبطال، وندعو الله أن يحميهم ويحرسهم ويكلل مساعيهم بالتوفيق.