ملعقة حديد.. وترسانة هُلامية!

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

(1)

صفعة على وجه جيش مُحتل غاصبٍ يتشدَّق بترسانة أمنية هلامية، أبطالُ هذه الصفعة 6 أحرار من أبناء فلسطين الأبية وملعقة حديد.. صفعة فضحت منظُومة مهترئة، ومرَّغت بعزيمة حريتها أنفَ كيان هزيل، وأكَّدت من جديد أكذوبة "الجيش الذي لا يقهر".

6 أحرار فقط بملعقة حديد، حفروا نفقًا تحت زنزانة "سجن الخزينة"/ جلبوع، ليرتقوا سماء الحرية الرحبة، من تحت برج يُفترض أنه للمراقبة!!! فبُهت الذي شيَّد الأسوار، وهشَّم الهروب العظيم الصُّور المضخَّمة، وأثبت أنها مهما بلغتْ قوةً ومَنَعة ستحطِّمها عزيمة الحق والإرادة والصبر.

إنه إعلان انتصار ملعقة على ترسانة أمنية يُقال إنها متطورة فصُفِعت إسرائيل اليوم، كما صُفِعت من قبلها أمريكا في حربها "الهندوصينية الثانية" أو حرب فيتنام.

(2)

لقد كانت أنفاق كوتشي في تاريخ الحرب الأمريكية على فيتنام؛ شاهد عيان على عزائم الفيتناميين الذين عمدوا في مقاومتهم للأمريكان إلى انتهاج طرق بدائية جدا، لكنها تحتاج إلى صبرٍ وجلد وعزيمة لا تلين، لا يثنيها غرور ولا تعنت التكنولوجيا الأمريكية.

كوتشي.. "المدينة تحت المدينة"، وبنظام أنفاق تُشبه المتاهة التي بنيت بالكامل باليد وبأدوات بسيطة وبدائية، صُمِّمت هذا الأنفاق لتكون فخًّا للأعداء لتدميرهم وسحقهم بطريقة فريدة من نوعها، وهذا ما ميَّز الجيش الفيتنامي، وهو ما مكَّنه من سحق العتاد الأمريكي الضخم وتمريغ بوقه الإعلامي الذي كان يفخِّم ويروِّج لقوة الجيش الأمريكي المتطور.. سحقت كوتشي كل ذلك.

و"الأرض الفولاذية" -أنفاق كوتشي- ليست مشروعًا عسكريًّا شهيرًا لفيتنام، لب نُصُب تاريخي على المستوى الوطني.. نظام أنفاق متشابكة في أسفل الأرض، بها العديد من الانحناءات لمنع دخول الألغام والأبخرة السامة من العدو، تم تشييدها لتتناسب مع حجم أجسام الفيتاميين الضئيلة؛ لذلك لم يتمكَّن الجيش الأمريكي المحتل وقتها من الوصول إلى داخل النفق.. إنها مدينة كاملة تحت الأرض تربطها الأنفاق، بها غُرف طعام، ومطابخ، وغرف ذخيرة، وأسلحة، ومستشفيات ميدانية، وقاعات اجتماعات، حتى مسارح للترفيه عن القوات الفيتنامية.

(3)

وبالعودة إلى صفعة أحرار فلسطين من سجن "جلبوع"، أو "الخزينة" لشدة الحراسة والإجراءات الأمنية التي تحيط به، فالقصة كلها باختصار بدأت من العام 2006-2007، عندما ظهرت الحاجة لتبني النموذج الفيتنامي في غزة، وذلك بعد تكرار إغلاق المعابر في القطاع؛ حيث إنَّ المعبر رقم 5 هو تحت إدارة إسرائيلية، والمعبر 1 تحت إدارة مصرية-فلسطينية-إسرائيلية، ومعبر رفح تحت إدارة مصرية-فلسطينية ورقابة أوروبية. وبين إغلاق وآخر، والتضييق المستمر على سكان غزة لاحت بالأفق فكرة الأنفاق كوسيلة للتغلب على الأسوار الشائكة والعالية، وهي ذاتها، التي استخدمتها المقاومة في تنفيذ عملياتها في الأراضي المحتلة.

وعلى مدى هذه الفترة، بدأت الأنفاق تطوِّر من استخدامها لتهريب المستلزمات المعيشية إلى مشروع بناء متاهة من المخابئ الخرسانية تحت الأرض متعددة المداخل والمخارج، مرتبطة بأنفاق تحت المناطق السكنية تحت الأرض تُشبه إلى حد ما أنفاق الفيت كونج التي حُفِرت تحت أدغال فيتنام الجنوبية، لكن بجودة تشطيب أعلى، وجدران وأسقف خرسانية ومزودة بالكهرباء وغيرها من المرافق -كالمياه والاتصالات- اللازمة للمكوث مدد طويلة.

لقد ألهمت العمليات التي تمت طوال هذه السنوات هؤلاء الستة فتحرروا من سجن ذي حراسة مشددة، بينما لا يزال 13.8 مليون نسمة يرزحون تحت حصار على مرأى 7.8 مليار نسمة من سكان الكرة الأرضية الصامتة، والتي تنعق ليل نهار بحقوق الإنسان، واليوم أصبح الشغل الشاغل لكل درب التبانة كيف هرب الستة بملعقة؟ وأين اختفى التراب الناجم عن حفر نفق لمدة عام؟!!!! ليتنا نتحرر من أفكارنا التافهة ابتداءً، كي ما نستطيع التحرُّر من قيود غاصبي أراضينا إلى الأبد.