رُمان الجبل الأخضر

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

 

لم أكتب هذا المقال لأتطرق للاستثمار السياحي بالجبل الأخضر ولا عن المتنزهات السياحية المنسية وصيانتها ولا عن تأهيل طريق الجبل الأخضر أكثر مما هو حاصل ليكون أكثر أماناً وسلامة ولا عن أسعار الفنادق الفلكية فقد كتبت مقالات ومقالات جل ما نرجوه أن يكون لها رجع صدى إيجابي.

لا يخفى على الجميع ما يتميز به الجبل الأخضر من منتجات زراعية متنوعة نظير أجوائه المناخية البديعة ومن أشهر المنتجات الزراعية في منطقة الجبل الأخضر (فاكهة الرمان) هذا مع المنتجات الأخرى؛ كالخوخ والجوز والعنب وكذلك بعض الفواكه التي تنتج في طقس البحر المتوسط والتي دخلت حديثاً وأشهرها شجرة الزيتون والكمثرى وغيرها.

كثر الحديث في الفترة الأخيرة حول موضوع ارتفاع سعر رمان الجبل الأخضر وتزامن هذا بالطبع مع إطلالة موسم عرضه في الأسواق المحلية ولأن الموضوع مهم فهو يخص محصولا وفاكهة لذيذة ومرغوبة على مائدة كل عُماني لاسيما أنه استعاض عنها برمان لدول أخرى تستوردها السلطنة وذلك نتيجة غلاء سعر الرمان المحلي مُقارنة بسعر المستورد ونتيجة لأهمية الموضوع أحببت تسليط الضوء عليه كونه يهم شريحة كبيرة من المواطنين من خلال استطلاع آراء عينة من سكان الجبل الأخضر والذين أغلبهم ممتهن زراعة هذا المحصول إن لم يكن في مزرعته ففي حديقة منزله.

المبالغة في السعر لا أحد ينكر وجودها عند البعض للأسف وبالطبع كثير من سكان الجبل عندهم امتعاض من هذا الغلاء الذي قد يكون خارجاً عن إرادتهم، ولكن لنتساءل ما هي الأسباب والمسببات التي أوجدت هذا الارتفاع في السعر؟!

غلاء الأسعار غير ظاهر على منتجات أخرى ينتجها سكان الجبل الأخضر بقدر ما هو ظاهر على فاكهة الرمان والسبب قلة المعروض مُقارنة بكثرة الطلب حتى أنه ظهرت مقارنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين رمان الجبل الأخضر والرمان المستورد من إحدى الدول المجاورة فيما يتعلق بالسعر والجودة والحجم ولم هذا الغلاء؟! بل ووصل الحال إلى أن يباع في أحد مجمعات التسوق المشهورة الموجودة في مسقط بسعر مبالغ فيه للحبة الواحدة، فهل الأسباب ندرته في الأسواق أو قلة المعروض!؟ فمن المتسبب في زيادة السعر هنا هل جهة البيع أو المورد للرمان نفسه؟! وهذا تساؤل يوجه أيضاً لهيئة حماية المستهلك للتدخل والحد من جشع البعض من ضعاف النفوس.

كما هو الحال في أغلب المنتجات فإن أسعارها تبنى على العرض والطلب في السوق ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقارن إنتاج دولة معينة ذات رقعة إنتاج زراعية واسعة بأخرى رقعة الإنتاج فيها محدودة، وهناك عدة عوامل لارتفاع السعر في منتجات الجبل الأخضر ومن أهمها:

أولًا: محدودية رقعة التشجير أشجار الجبل في المزارع التي توارثها الأبناء من أجدادهم من آلاف السنين هي نفسها؛ بل في الواقع إنها تقلصت بسبب عدم تمكن البعض من زراعة بعض مزارعهم لصعوبة الوصول إليها وانشغالهم بالوظائف والأعمال الأخرى.

ثانيًا: عدم وجود جهة منظمة للبيع ولا موقع موحد لبيع منتجات الجبل الأخضر أدى إلى ظهور مثل هذه الحالات للاستغلال والأماكن التي عملتها وزارة التراث والسياحة ذات أشكال ملفتة وجميلة ولكن فائدتها معدومة من حيث صغر مساحتها حتى إن من استأجرها يبيع بجانبها وهنا تكمن المفارقة!!

ثالثًا: وجود بعض الصعوبات في الزراعة والتي تسببت بقلة الإنتاج مثل شح المياه التي تروى بها مزارع الجبل الأخضر ونفاذ مخزون المياه من سدود التغذية في بعض السنوات وعدم وجود بدائل للسقي بل وإن البعض عمل سدودا لحاجته لحفظ المياه من جيبه الخاص كلفته مبالغ طائلة، ظهور آفات زراعية تقلل كمية الإنتاج، عدم وجود طرق حديثة تساعد المزارعين على الزراعة والإنتاج وإنما الاعتماد على الطرق القديمة المتوارثة.

رابعًا: قلة المنتج المحلي من أسبابه كذلك عدم وجود جهة محددة سواء حكومية أو خاصة تتبنى فكرة تسويق المنتجات الزراعية من المزارعين عدا ما يعرف بجمعية مزارعي الرمان وهي مجرد اجتهادات تطوعية من قبل بعض الشباب يشكرون عليها وللعلم فهي لا تغطي حتى ربع الإنتاج.

وبعد أن عرفنا الصعوبات التي تواجه الزراعة بالجبل الأخضر نتحول للحلول التي يمكن من خلالها رفع إنتاج المحصول الزراعي بالجبل الأخضر:

  • تبني جهة حكومية استزراع مناطق شاسعة في الجبل الأخضر لمختلف الفواكه ومنها بطبيعة الحال شجرة الرمان أو دعم تقديم الدعم للمزارعين ولم لا يكون لجهاز الاستثمار العماني دور هنا باستثمار القطاع الزراعي بالجبل الأخضر أسوة بمشروع المليون نخلة.
  • مع الإعلان عن فكرة إقامة مهرجان الرمان، لابُد من تضافر الجهود لإنشاء سوق متخصص وبمواصفات حديثة يعرض فيه المزارعون منتجات الجبل الأخضر المختلفة بصورة لائقة تجذب السياح والزائرين للجبل الأخضر، عوضاً عن البسطات التي نشاهدها على طول الطريق في الجبل الأخضر والتي تعطي صورة سيئة في عرض المنتجات.
  • تفعيل دور وزارة الزراعة والثروة السمكية وموارد المياه في متابعة ودراسة الآفات الزراعية والعمل على إيجاد المبيدات التي تقضي على الآفات وإيجاد حلول ناجعة لعملية تطوير الطرق الزراعية المستخدمة حاليًا.
  • إيجاد حلول لشح المياه والذي يُؤثر بطبيعة الحال على المردود الزراعي بالجبل الأخضر مع التقنين في استخدام الآبار (الرقوق) التي تستهلك المياه الجوفية في التوصيلات المنزلية والاعتماد على الماء الحكومي الذي تم توصيله مؤخرا إلى منطقة الجبل الأخضر سواء كان للمواطنين أو الجهات الحكومية والعسكرية.

ما تمَّ ذكره أعلاه ليس وافيًا، ولا كافٍ، وربما هناك نقاط أخرى لا تقل أهمية لم يتم ذكرها عبر سطور هذا المقال، توضح مُعاناة القطاع الزراعي في الجبل الأخضر وكيفية النهوض به، وجعله قطاعاً يمكن الاعتماد عليه؛ سواء في تغطية السوق المحلي وبأسعار مرضية، أو حتى تصديره ليكون علامة تجارية عُمانية متميزة.

وبالإشارة للصعوبات المذكورة أعتقد أنه لا يمكن توجيه اللوم كلياً للمزارع طالما أنه لم تتوافر له البيئة المناسبة والدعم اللوجستي الزراعي هناك عمل كبير يجب القيام به من جانب الجهات ذات العلاقة سالفة الذكر في الارتقاء بهذا القطاع ليكون قطاعاً واعداً ذا قيمة مضافة للإنتاج الزراعي المحلي.