الرؤية - خاص
أفاد تقرير مجموعة بنك قطر الوطني "QNB" بأنَّ الاقتصاد الصيني وكما ظلَّ متفوقًا في الأداء على كافة اقتصادات دول العالم الأول لعدة عقود حتى أصبح أحد أهم محركات النمو العالمي، فإنه بالمقابل استمرَّ في التفوق خلال العام الماضي في الوقت الذي نالت فيه جائحة "كوفيد 19" من النشاط الاقتصادي العالمي عبر مختلف القارات؛ حيث كانت الصين الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي حقق نموًّا إيجابيًّا في الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020، حيث نما اقتصادها بنسبة 2.3%، مقابل تراجع بنسبة 3.5% و6.5% في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو على التوالي.
وبحسب التقرير، فإنه وعلى الرغم من أن الصدمة الناتجة عن الجائحة كانت محدودة في الصين وامتدت لفترة قصيرة، وكانت متبوعة بتعافٍ سريع، إلا أنَّ هناك مؤشرات قوية على أنَّ اقتصاد الصين بدأ بالفعل يتراجع بشكل كبير. فبعد تسارع في الأداء بلغ 18.3% على أساس سنوي في الربع الأول من العام الحالي، تباطأ نمو الاقتصاد الصيني إلى 7.9% في الربع الثاني. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التراجع كان واسعاً، وشمل العديد من المكونات الأساسية للاقتصاد، مثل الإنتاج الصناعي والاستثمار ومبيعات التجزئة.
وقد شملت العوامل الأخيرة المعيقة للاقتصاد الصيني سلالة دلتا الجديدة المتحورة من "كوفيد 19" والفيضانات التي ضربت مختلف أرجاء البلاد، والتي عطلت أنشطة الأعمال. ويعتبر السحب التدريجي للمحفزات الاقتصادية من قبل السلطات الصينية من العوامل الرئيسية الأخرى التي تسببت في تباطؤ الاقتصاد. وفي الجانب المالي، تم تشديد السياسة المالية مع تقليل الامتيازات الاستثنائية والتحويلات الاجتماعية وتخفيض الإنفاق والدعم للاستثمارات الحكومية. أما في الجانب النقدي، فيشير تباطؤ نمو الإمدادات النقدية أيضاً إلى تراجع دعم السياسة النقدية.
وعلى الرغم من كافة العوامل السلبية، إلا أن التقرير لا يتوقع حدوث تراجع حاد في الاقتصاد الصيني بشكل يتجاوز الحد المستهدف لنمو الناتج المحلي الإجمالي والذي يبلغ حوالي 6%.
عوامل اتزان
وأفاد التقرير بأنَّ هناك ثلاثة عوامل رئيسية تدعم هذا التوجه؛ أولها أنه من المتوقع تعافي الاستهلاك الخاص بشكل أكثر قوة خلال الأرباع المقبلة؛ مما سيدعم التوازن الجيد للاقتصاد. وفي حين يُتوقع أن يظل الاستهلاك الخاص معرضاً للضغط في الربع الثالث من عام 2021، على خلفية موجة من حالات الإصابة الجديدة بالسلالة دلتا المتحورة من "كوفيد 19"، من المتوقع حدوث انتعاش في نهاية العام وبداية العام 2022 مع تلاشي تأثير الجائحة. علاوة على ذلك، تدعم السلطات الصينية إعادة التوازن في الاقتصاد نحو الاستهلاك ومشاركة القطاع الخاص. وبالتالي، من المرجح أن تتحول محركات النمو من استثمارات البنية التحتية التي ترعاها الحكومة إلى الاستهلاك المحلي الخاص.
وإضافة لذلك، هناك مدخرات فائضة تراكمت أثناء الجائحة. وسيؤدي فتح المجال لإنفاق هذه المدخرات أيضاً إلى دعم نمو الاستهلاك الخاص. لذلك؛ وعلى الرغم من عدم وجود أي نمو تقريباً في الاستهلاك الخاص في عام 2020 وتسجيل نمو ضئيل في العام 2021، توقع التقرير أن يكتسب الاستهلاك الخاص زخماً ويسجل انتعاشاً خلال الأرباع القليلة المقبلة.
ومن بين الأسباب التي رصدها تقرير مجموعة قطر الوطني، أنه ومع حدوث تحول في محركات النمو في الصين، من المتوقع أن تعوض استثمارات الشركات الخاصة جزئيا عن الانخفاض في الاستثمارات العامة. ونظراً لأن البنية الأساسية في الصين متطورة بالفعل وتميل الاستثمارات العامة الإضافية في هذا القطاع إلى أن تكون أقل كفاءة، وغالباً ما تسهم في خلق مستويات غير مستدامة من المديونية والطاقة الفائضة، فإن الاستثمارات العامة ليست مصدراً مستداماً للنمو طويل الأجل. لذلك، من المتوقع أن تتراجع هذه الاستثمارات في المستقبل وأن تحل محلها استثمارات خاصة، لا سيما في "القطاعات الأساسية" للتصنيع الإستراتيجي، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وأشباه الموصلات والتكنولوجيا الطبية واستكشاف الفضاء، والذي يشمل تطوير الأقمار الصناعية والأبحاث الأساسية. ولن يسهم ذلك في احتواء سيناريو التباطؤ الحاد فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى زيادة الإنتاجية الاقتصادية على المدى الطويل.
أما السبب الثالث -بحسب التقرير- فمن المتوقع أن تظل صادرات الصين قوية، مدعومة ببيئة خارجية مواتية. وبعد سنوات من إجمالي صادرات تراوح بين 160-220 مليار دولار أمريكي شهريًّا، بلغت صادرات الصين أعلى مستوياتها على الإطلاق بأكثر من 280 مليار دولار أمريكي في يونيو 2021. وفي حين يُنتظر أن يتراجع نمو الصادرات خلال الأرباع المقبلة؛ حيث من المرجح أن يكون التعافي العالمي قد بلغ ذروته، سيظل المستوى الإجمالي للصادرات الاسمية مرتفعاً، مع عودة الطلب الخارجي إلى طبيعته تدريجياً.
واختتم التقرير بالتأكيد على أنَّ نمو الاقتصاد الصيني يشهد تباطؤاً، إلا أنه ومع ذلك، فإنه قد تجاوز ذروته مع تلاشي التحفيز المالي والنقدي. وبالتالي فإن مسار النمو الحالي هو بمثابة تطبيع، وهو لا يزال عند مستويات عالية؛ لذلك لا يُوقع رؤية النشاط الاقتصادي ينخفض إلى أقل من الحد المستهدف للنمو الذي يبلغ حوالي 6%.