التعليم والتعلم خارج التوقيت المدرسي

فوزي عمار

 

المعرفة لم تعُد حقائق ومفاهيم والتعليم لم يعُد معلومات ومناهج فقط؛ بل تحولت إلى القدرة على التعلم وحل المشاكل التي تواجه الإنسان والمجتمع والدولة، وجوهر التعليم بناء العقول.

يقول المفكر ألفين توفلر في كتابه "إعادة التفكير في المستقبل" إن "الأمي اليوم في القرن الواحد والعشرين، ليس من يجهل القراءة والكتابة.. بل من يجهل كيفية اكتساب المعرفة وتعلم الشيء ثم مسح ما تعلمه وتعلمه مرة أخرى".

لقد أصبح التعامل مع البيانات وإدارتها والاستنتاج منها أهم من تعلمها، لذلك ظهر الآن مفهوم البيانات الضخمة Big Data، وخلق تحديات كبرى في الوصول للحقيقة من خلال بيانات مزيفة ومتزاحمة.

التعليم هو بناء الوعي وخاصة الوعي النقدي. ويقول المفكر المصري الراحل الدكتور مصطفى محمود، إن التعليم لم يعد ترفًا؛ بل أصبح أداة للنجاة من المحن. فبالتعليم اخترع الإنسان الدواء وحفظ الغذاء وقصر المسافات وحمى كرامة الإنسان ودافع عن نفسه.

جوهر التعليم والغرض منه هو التعلم.

ففي فنلندا رائدة طرق "البيداغوجيا" (علم التربية) في العالم وصلوا إلى تعريف التعليم والتعلم أنه بناء شبكة الممرات العصبية التي تساعد الإنسان على التفكير في حل المشاكل التي تواجهه. وتخلص دراسة إلى أن التعلم مسألة تؤثر فيها جوانب عدة؛ منها: العاطفة والجسم والمخ، والجسم له علاقة بالتغذية الجيدة، أما العاطفة فلها علاقة بالمناخ والود الذي تقدم فيه المعرفة بعيدًا عن التوتر والعنف.

اليونسكو وضعت شعار التعليم للألفية الثالثة: تعلم لتعرف.. تعلم لتكون.. تعلم لتشارك.. تعلم لتعمل.

أي أن غاية التعليم ليس فقط المعرفة والعمل بل حتى للتكوين "to be" أو التكوُّن، فتكوُّن شخصية المرء لها علاقة بتعليمه.

وما شد انتباهي وأنا أقرأ تعريف اليونسكو لأركان التعليم الأربعة، أن التعليم يقود للمشاركة مع الآخرين، إلى جانب مآرب أخرى غير التعليم للحصول على الوظيفة والمكانة الاجتماعية، وذلك من خلال القدرة على التواصل مع الآخرين خاصة الذين يعيشون في مجتمع ومحيط معزول عن العالم.

العلم يقود للحقيقة فكل الطرق الصحيحة تقود للحقيقة، لذا فالمشاركة والعمل كفريق عمل تمثل أحد مآرب التعليم خاصة تعليم اللغات الأجنبية التي تجعلك تتواصل مع المجتمعات والمؤسسات المتقدمة عنَّا وترجمة تجاربهم في جميع المجالات.

آليات التعليم والتعلم في ظل تطور وثورة الاتصالات والتحول الرقمي أصبحت متاحة من التعليم الإلكتروني "e-learning" إلى دورات تدريبية عبر الإنترنت، وتطبيقات الهواتف الذكية؛ كلها سهّلت مهمة التعليم والتعلم خارج التوقيت المدرسي، لكنها خلقت تحديًا جديدًا؛ إذ بات الوصول للمعلومة الحقيقة من المزيفة يحتاج إلى متخصصين وقبلها استراتيجية وطنية للتعليم والتعلم معًا.