الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)
"أقسم بالله العظيم ألا أفشي سرًّا".. القسمُ على المُصحف لضمان عدم تسريب الأخبار وحفظ الأمانة؛ كي يتسنَّى لك الدخول إلى عالم الليل، حين تَضَع قدمك في هذه المزرعة ستكون مُهرِّجًا لا يَسمع لا يَرى لا يَتكلم، وعوالم الليل هي بوابة الصراع بين الرغيف والسيجارة.
لو عَرض عليك أحدهم 300 ريال مُقابل تدخين سيجارة واحدة، هل تقبل؟ الأمر لا يُكلف كثيراً، هي فقط ورقة ملفوفة بالتبغ ولمرَّة واحدة في العمر، بل هي الأولى والأخيرة، وفي المقابل أنت الرابح الأكبر: 300 مقابل جزء من الدقيقة تُدخِّن فيه سيجارة. الحاجَة "رغيف حاف" تقضم قضمة فتنتفخ أوداجك بسخام السيجارة، مزلاج الثراء آنيٌّ سريع سهل، لا يتطلب مُؤهلات غير الهيئة المقبولة ولسان طلق وحبٌّ للسهر. قد تلوى الأعناق في طلب الأرزاق، وإن جازت التسمية بأنَّه رزق، وأحبذ أن أسمِّيه مكسبًا لا رزقًا، تطيب سهولة الكسب وتكثر النقود بالكف، ويتقازم الشرف مُقابل الورق. ويمشي الكثير على لحن: "إنْ كان لك عند الكلب حاجة قول له يا سيدي"، وصاحب الحاجة كليل، أم أنَّ استسهال الكَسْب نكَّس عقارب المبادئ والقيم؟
قد يُقسِم أحدهم ليتحصَّل على رغيف غُمِّس نصفُه بالدناءة، والخيارُ لك، ويفرش لك دربَ الشوك ورودًا، ولحاجتك الملحَّة ستطأ الشوك وتلتهم غموس الدناءة. وعندما تتعثَّر وتقع في الشرك، ويتم ضبطك سيغلق باب الزنزانة الحديد عليك وحدك. ويفر كل من أعد ورتب، وضبط، وساعد وأسهم لسهرة مُعدَّة خصيصاً لضيوف VIP، حُرِق كَرتُك، وانتهيت كالحَمَل الأسود.
سَهَرات المزرعة خاصة، سريَّة، غَامِضة، كلُّ شيء فيها يتسم بالتكتُّم الشديد، ومن سُخرية القدر عند التساؤل: ومن يضمن أنَّ السر بأمان؟ تكون الإجابة الصاعقة: "الكلُّ يُقسم على المصحف بالكتمان".
عجبًا لسهرة عربدة وسكر، وفتيات يتمايلن بين تغرير وحاجة، والكل يُقسم على المصحف!!! وهل تأكَّدتم من طهارة المُقسِمين أولًا.. ألا تعلمون أنَّه يتوجَّب الوضوء قبل الشروع بالقسم؟! ثم يأتيك الرد: "الله أعلم بالنوايا".. خرق شاش المبدأ وتفتقت منه دُعر المكاسب، واستقام ظَهر مبدأ "فيد واستفيد".
وفي قلب الخواء تصدحُ أصواتُ الغناء، وتقلب أحجار الأرجيلة وتتمايل عناقيد العنب، ترقُب قَاطِفَها.. وكم سيتحصل 150 جلسة، و300 باب مُغلق. عالم سريٌّ يحرسه العسس، وكلُّ من يلج وفقاً لقائمة خصصتها "كوبرا": التصوير ممنوع، والأكل والشرب مسموح، من أَحْسَن "العوم" في سهرات المزرعة بسَّط أمورَه الحياتية؛ فكلُّ شيء متاح وُمباح، ولك الحقُّ في الدلوف إلى مغارة "علي بابا"، واطلب يا ابن آدم وتمنَّى، طابت دنياك بالتمني، وسلكت صعاب أمورك بمعارف سهرات الليل والمزارع.
مَن المُستفيد؟ "كوبرا السهرات" لها نصيبُ الأسد، هي من يُراعي الصِّيصان، وتحفظ الودَّ والسرَّ، فهما في طيِّ الكتمان، هي من تُنسِّق تتابُع عطرِ الأجواء، وهي من يتحمَّل الشقاء، لا ضُرَّ إنْ استخدمتَ صوصه، وذللت حجرًا عَثِرًا في مسيرتها العملية المشرقة.
سأل: هل أنتِ من روَّاد المزرعة؟ (*)
أجابت: لا، أوَّل مرة.
سأل: إذن مُغرَّر بكِ! كم أعطُوكِ؟
أجابت: 150 ريالًا.
- مبلغ زهيد.
أجابت: الغرفة بـ350 ريالًا.
سأل: مَن رتَّب الـ"دي.جي" والإضاءة؟
أجابت: متعهد كَتُوم.
سأل: ماذا جنيتِ؟
أجابت: "صَفْعَة"، والحين عندكم بالمركز.
سأل: أين الكوبرا؟!
أجابت: ظهرُها العلم بما لا يعلم.
----------------------------
(*) الحوار والمشاهد مَحْض الخيال