إبراهيم بن سالم الهادي
هي ليست أمواج تعزف صداها على مسامع العابرين ولا رياح تعصف بأشجار الياسمين، وإنما لحظات صفاء تعانق صفائح الجبل الأخضر بمنطقة الداخلية، ارتفاع 3 آلاف متر عن البسيطة كافٍ لأن يكون فيها الفرد قريباً من ملامسة السحب التي تتراوح على المكان، ارتفاع يحول الحر الشديد بالصيف إلى جو بارد بهوائه العليل ونسماته التي تلفح أشجار البوت والتين والزيتون فتنحني معه ثمار الرمان والخوخ وأشجار المشمش وليس الحديث هنا عن الورود الجبلية وأشجار اللوز والجوز والفراولة وفواكه أبا؛ بل عن الثروة الوطنية التي حبى الله بها الجبل الأخضر لتصعد به عُمان - إن استثمر - إلى مصاف الدول المتقدمة.
جماليات المكان وتميزه الحقيقي يتطلب أفكاراً حديثة تستثمر التطور الذي وصل إليه العالم اليوم لتغير معه مفاهيم التحديات إلى مفاهيم أرزاق سهلة التطبيق وسريعة التنفيذ، فعمل طريق يربط السهل بالجبل أصبح اليوم أسهل مما كان عليه في الزمن الغابر، فبناء جسر يبدأ الصعود التدريجي إلى الجبل من الطريق الرئيسي الذي يربط مسقط مع نزوى على أن تكون البداية من مدخل بركة الموز مثلاً بصعود تدريجي يكاد لا يشعر به العابرون إلى الجبل الأخضر دون الحاجة إلى شق الجبال، وإنما تكفي خرسانات أفقية عليها جسور معلقة قد يصل طول خرسانة فيها 500 متر قبل الوصول إلى الجبل ثم تبدأ تقل أطوالها على صفائح السلسلة الجبلية كون قاعدتها تبدأ من الجبل نفسه، وهي المسافة الوحيدة التي تتطلب جسوراً معلقة ولا نعتقد أنها تكلف الكثير، ويمكن العمل بالطريقة نفسها من عدة جهات ليربط الجبل أكثر من الطريق الشرقي الحالي طرق أخرى من الشمال الغربي عبر منفذ تنوف أوكمه ومن الغرب الجنوبي عبر وادي مستل ووادي بني خروص .. ومع تنفيذ الطريق لو ضاعفنا الحلم أكثر لاستطعنا تنفيذ طريق قطار محاذٍ يربط العاصمة مسقط بالجبل الأخضر، إنها أحلام يمكن تفسيرها بالإرادة حينما نكون وطنيين ملحين وصادقين في بناء الوطن، فهذا وطننا وعلينا أن نبنيه بالهمم، ولنأخذ أعلى جسر معلق بالعالم مثالاً حيث افتتحته الصين في العام 2016م، وهو جسر بيبانجيانج الذي يربط مدينة ليوبا نشوي في قويتشو مع مدينة شوانوي في يونان، والذي بلغ طوله 1340 متراً فيما بلغ ارتفاعه 565 مترًا، وقد استغرق بناؤه 3 سنوات بتكلفة 140 مليون دولار أمريكي. ولا أعتقد أن الجدوى التي تحصدها الصين من ذلك الجسر أكبر من الجدوى التي تحصدها السلطنة من الجبل الأخضر فالجبل الأخضر ثروة وطنية بحق وقد تغني عُمان عن الذهب الأسود حينما نضع هدف تطوير القطاع الزراعي أفقياً وعمودياً والقطاع الأهم السياحي ونبدأ التنفيذ وأعيينا وضمائرنا حية، فالتكاليف بالأصل ليست كبيرة إن كانت الوطنية حاضرة وأغنتنا عن ملء الكروش الفردية.
وإضافة إلى الطريق؛ فالجبل الأخضر بات في حاجة ملحة إلى مطار محلي كونه منطقة كبيرة مترامية الأطراف وبه ثروات كثيرة يمكن استثمارها في الزراعة والسياحة والصناعة وغيرها من الخيرات التي حبى الله بها الجبل، فلو أنشئ مطار وسط الجبل الأخضر سيصبح أبرز الوجهات السياحية في منطقة الشرق الأوسط.
الطريق والمطار من أبرز المشاريع الملحة اليوم للجبل الأخضر، أما على مستوى تطوير المنطقة في الجبل نفسه فإنها لا تتطلب الكثير وإنما فقط وضع رؤية وأهداف واضحة وطموحة لتنشيط المنطقة بالطاقات الموجودة فيها سواء البشرية أو الطبيعية كأن تخصص أراض زراعية للانتفاع توزع على أهالي الجبل الأخضر لزراعته ويعمل على متابعتها بشكل سنوي للجادين إضافة إلى السماح لهم بمد أراضيهم السكنية حتى يستطيعون استثمارها في زراعة الفواكه والخضار كون موسم الزراعة في الجبل الأخضر مختلفاً عن باقي المدن فهو يبدأ بالصيف وليس الشتاء، إضافة إلى أن أي فاكهة مثمرة يمكن زراعتها في الجبل حتى أندر فاكهة في العالم، كما أن الجبل بمساحاته الشاسعة يتطلب تخصيص أراض كبيرة للاستثمار السياحي مثل إيجاد مناطق ترفيه عالية المواصفات، وفتح باب الاستثمار للتنقل بالتلفريك وهو أفضل مكان يمكن الاستثمار فيه لهذا المشروع وحتى تتكامل المنظومة بشكل أوسع على أن تترك مساحات الرعي كما هي لتربية المواشي وتعزيزها بوفرة أكثر من المواشي حتى تكون مصدر دخل آخر يضاف إلى السياحة والزراعة والصناعة.
وأخيراً ماذا لو سمح لكل مواطن بالجبل الأخضر بأن يختار بقعة يبني فيها كوخًا بسقف أحمر ثلاثي الأضلاع يتناغم مع إخضرار المكان وروعته ويكون له استثمار يؤجره للزائرين كما هو الحال في الكثير من دول العالم، فالجبل الأخضر مهيئ لذلك، وبذلك تنشط المنطقة ويستفيد المواطن نفسه.