لوْ كُنتُ مسؤولًا!

 

راشد بن سباع الغافري

أخذني خيالي يومًا فصوّرني على أنني شخص تنتظره مسؤولية وظيفية عظيمة ستُلقى على عاتقه عمّا قريب! ووجدتُ ذلك الخيال يأخذني بعيدًا حول فيما سأفعل وما سأذر، وبدأت بمخاطبة نفسي قائلاً: لو كنت مسؤولًا لاقتربت كثيرًا من الناس للإحساس بهم وبما يعانونه، وللاستماع إليهم فيما يطرحونه وينتقدونه؛ خصوصًا فيما يخص واقعهم المعيشي؛ فأنا منهم وهم مني ولابد من التكامل معهم لضمان نقد إيجابي للمؤسسة التي أقودها وتوفير حياة كريمة لهم.

لو كنت مسؤولا لاطلعت على مئات وربما آلاف المُقترحات والأفكار التي جادت بها عقول كثير من أبناء الوطن عبر حساباتهم المختلفة في وسائل التواصل خلال السنوات الماضية، ولعملتُ على الاستفادة منها في أداء المؤسسة التي أُوكل بها إليّ، فهذه الأفكار ستُطمر بمرور الوقت إن لم يُستفد منها في وقتها المناسب؛ وذلك يُعد من الهدر الفكري الذي هو أسوأ في بعض الأحيان من الهدر المالي.

لو كنت مسؤولًا.. لاعتبرت الأفكار والمقترحات التي تطرح في تلك الوسائل هي بمثابة عصف ذهني لأبناء الوطن من مختلف المحافظات وفي مختلف المجالات؛ يمكن الاستفادة منها في الارتقاء بأداء المؤسسة؛ ولَقُمت باستقبال وتكريم أصحاب المُقترحات الراقية، والنقد البناء، والحلول الذكية للمشاكل التي تعترض الأداء، وذلك؛ لتعزيز الجديّة فيما يطرحه أبناء الوطن، وليتنافسوا في الارتقاء بذلك الطرح للاستفادة منه، ولجعلتهم يشعرون بأنَّهم مشاركون حقيقيون في بناء الوطن والمؤسسة حتى لو لم ينتسبوا إليها؛ ولسعيتُ جاهدًا لامتصاص ما يشعرون به من امتعاض وتهميش.

لو كنت مسؤولا.. لفرضت عدالة مؤسسية بين الموظفين ولعمدتُ إلى توظيف قدراتهم ومهاراتهم بما يرقى بأدائهم وأداء مؤسستهم، ولحرصت على متابعة العلاقة الجيّدة والإيجابية بينهم وأفراد مجتمعهم المتعاملين معهم، ولخصصتُ حسابًا جادًا في وسائل التواصل للتواصل مع النَّاس، والتفاعل مع ما يطرحونه ويقترحونه أو يستفسرون عنه بكل شفافية ومصداقية، ولن أسمح بالانغلاق المؤسسي الذي يُقلل من قيمة المؤسسة في أعين المواطنين.

ولو كنت مسؤولًا.. بالتأكيد لن ألتفت إلى تلك الألقاب التي ستخلع عليّ بقدر التفاتي إلى ما قدمت وما أخرت في سبيل نجاح خطة مؤسستي، والأخذ بها لتحقيق أهدافها. ولن التفت إلى أولئك المغردين المادحين القائلين إنني "الرجل المناسب في المكان المناسب"، ولا الذين سينشرون صوري معهم ويُظهرون أنفسهم وكأنهم رفقاء لي منذ الصغر، ويكيلون عبارات المدح والإطراء لمجرد أنهم من أهلي أو قبيلتي أو زملاء في مرحلة معينة من مراحل الحياة، بقدر التفاتي إلى أبناء الوطن جميعًا، حول ما الذي يريدون أن يروه في المؤسسة التي أديرها.

لو كنت مسؤولًا.. لكتبت عند بداية استلامي للمسؤولية تقريرًا بأني وجدت المؤسسة بهذا المستوى وسأتركها بمستوى أكثر رقيا؛ وستكون إنجازاتي على أرض الواقع هي الشاهد على ذلك، وليس التصريحات الرنانة التي تأخذ طابع كلام الليل يمحوه النهار.

لو كنت مسؤولًا.. لرددت باستمرار ألفاظ القسم الذي أقسمته عند تحملي للمسؤولية، ولوضعت مفردات ذلك القسم أمام ناظريّ باستمرار لتذكرني بالآية الكريمة: "وإنه لقسمٌ لو تعلمون عظيم" (الواقعة: 76).

ولتذكرني أيضاً بيومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون.

لكني فجأة رجعت من خيالي إلى حقيقة نفسي ووجدتني لا أرغب أن أكون مسؤولًا، فقد خشيتُ أن أفعل ما يفعله اللامسؤول. وأهتم فقط بشكليات لا تخدم مسؤولياتي فعلًا؛ وأصبح بمرور الوقت أشرب ما يشرب المسؤول، وألبس ما يلبس المسؤول، وآكل مما يأكل المسؤول، واستقل ما يستقلون دونما تأثير واضح على مستقبل مجتمعي الذي يتأمل مني الشيء الكثير.

ولستُ براغبٍ في أن أكون مسؤولاً بالليل، ولا مسؤولًا بالنهار كما يفعل كثيرون! فالمسؤولية أمانة ناءت من حملها الجبال.

تعليق عبر الفيس بوك