ثقب الأوزون على الأرض!!

 

حمد بن سالم العلوي

لم أجد مثالًا أنسب من ثقب الأوزون للحالة القائمة اليوم بين المواطن وحكومته الرشيدة، فثقب الأوزون الذي أحدث فجوات سلبية في طبقة الأوزون في السماء، ونتج عنه إخلال واضطراب في جو السماء، فأنعكس سلبًا على بيئة الأرض فأحدث ما أحدث من فيضانات، أو حرائق في الغابات، وذلك نتيجة الاحتباس الحراري كحالة سلبية للخلل الكبير في طبقة الأوزون، وما فتئت دول العالم تحاول رتق هذا الثقب الأوزوني العتيد دون جدوى، وذلك بتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والذي ينسب إليه هذا الاضطراب الكوني الخطير، والذي يعيش تأثيراته الكبيرة العالم أجمع هذه الأيام، وذلك بسبب ما اقترفته بعض الدول الصناعية التي كانت سلبية في تعاطيها مع هذا المارد الغامض.

لقد راقبت شكاوى ومناشدات المواطن، وحتى تهجمات البعض على بعض المؤسسات أو المسؤولين، وكلما أرجأت الحكومة الاستماع لمطالب الناس، ظنَّ هؤلاء أن الصوت لا يزال منخفضًا، وربما لا يصل إلى مسامع المسؤولين في الحكومة، فيعاودون رفع الصوت، ثم تذكروا أن هناك مجلس للشورى، ربما يكون صوته أقرب إلى مسمع الحكومة، ولكن ظلت النتيجة كما هي لا تغيير، وأن الاستجابة مؤجلة أو حتى غائبة تماماً عن فهم الجميع.

هذا السلوك الغريب من قبل عدد من المسؤولين تجاه الناس، جعلني أتساءل بيني وبين نفسي، هل فعلاً المسؤولون لا يسمعون صوت المواطن؟ أم أن الناس لا يفهمونها؟! فلم أجد تفسيراً مُقنعاً لفهمي، حتى إنني جزمتُ أن هناك مفصلاً مهماً في مكان ما من مفاصل الحكومة به عطبٌ يشبه عطب ثقب الأوزون، فيحدث ذلك نتيجة لهذه السلبية بينها وبين المواطن، وأنها بإرادتها وقوتها، تسببت في تهميش مجلس الشورى، وجعلته بين سندانها، ومطارق الشعب الكثيرة، فصار بعض الناس يطالبون بإلغاء المجلس من أساسه، والبعض الآخر يطالب بوقف المكافآت عن أعضاء هذا المجلس؛ لظنهم بتقصيرهم في الواجب! وآخرون يطالبون باستقالة رئيس المجلس أو استقالة جماعية للمجلس كله بكافة أعضائه.

ترى لماذا الحكومة لا تستجيب لمناشدات الناس ومطالبهم؟ ولماذا تضع مجلس الشورى في هذا الموقف شديد الحرج أمام ناخبيه؟! وهل تظن أن الناس سيعاودون انتخاب أعضاء للمجلس في المرات المُقبلة؟ مثل هذه الظروف تؤسس لمستقبل غامض للمجلس، ولن يجدي نفعاً دعوة الناس لانتخاب ممثليهم في المستقبل.

لقد مَنّ الله على عُمان بشعب كريم مطيع شهم صبور، يحب العمل والإبداع، ومنتج بغير مِنّة، يتميز بالحِلم والشجاعة، لذلك أرجو من كل مسؤول، أن لا يُغيِّر في سمات الشعب العُماني، وسمته وصفاته وسجاياه الحميدة، بهذا الإهمال الرهيب الذي قد يجبلهم على سلوك مُعاكس بمرور الوقت، وتكرار الغفلة عنهم والتهميش، وعدم تقدير الأمور بحق قدرها، فليس من مصلحة الحكومة والوطن، أن تعوّد الناس على الإهمال، والشعب العُماني الأبيِّ سيصرُّ على محاسبة من كان السبب في خلق هذه الفجوات بين المواطن ومؤسسات الدولة.

لقد اقتنع الناس بخطة التوازن المالي الطارئة للظروف الحالية، لكن الناس يريدون فهم ما لهم وما عليهم، وهم يعلمون يقينًا أن الذين قادوا البلاد إلى هذا المنحنى الخطير، هم بعض المسؤولين غير الأكفاء، ويعلمون أن الذين سيتحملون خطأ المقصّرين هم المواطنون دون سواهم.. إذن كما عرفتم الأخذ من جيب هذا المواطن، فهذا المواطن من حقه أن يعرف إلى أين هو سائر؟ وإلى متى سيظل الحال هكذا أخذٌ دون ردٍ؟ فهلاّ تفضلت الحكومة عليهم ببعض التفاصيل الضرورية عن المستقبل؟!

إنَّ المواطن الذي يقول، نريد محاسبة الفاسدين؟ ونريد محاسبة الشركات الحكومية التي أدمنت اقتراف الخسائر المليونية ونُريد معرفة لماذا هذه الشركات مليئة بالوافدين، حتى إن إدارتها بلغة غير عربية، وذلك إمعاناً في إبعاد المواطن عنها، وتسهيلاً على الوافدين في التمكن منها، وهذا يُخالف النظام الأساسي للدولة الذي يقر بأن تكون لغة البلاد الرسمية اللغة العربية، فلماذا إذن تكون لغة الشركات الحكومية، وذلك قبل الشركات الوطنية تدار باللغة الإنجليزية؟!

آن الأوان لتصويب بعض الأمور الأساسية إلى وجهتها الصحيحة، بداية بمعالجة الجسر الرابط بين الشعب والحكومة، بأقوى وأوثق الأواصر المتينة، والعمل على ردم الهوة بين الطرفين، ومعالجة ثقب الأوزون المسؤول عن تشتيت الجهود، ومعالجة كل بؤرة تبث السلبية بين الناس والحكومة، وأن يُعاد لمجلس الشورى- ومجلس عُمان عموماً- مكانته ومقامه الذي يليق به، وأن يعمل على إشاعة روح الألفة والوئام بين مجلس الوزراء ومجلس عُمان، وذلك كما يتمنى ويريد الشعب العُماني وحده.

الكثير من المهاترات التي تحدُث عبر وسائل الاتصال، أو حتى المظاهرات التي تحدُث بين وقت وآخر، أظن أن مرجعها هو تهميش مجلس عُمان بمجلسيه (الدولة والشورى)، ولا أظن أن هذا المجلس العظيم (مجلس عُمان)، سيضنُّ بما لديه من خبرات ورؤى سديدة، وذلك عن وضع فكره وعصارة جهود أعضائه في مصلحة الوطن، ولن يكون الأقل حرصاً وشعورا وطنيّا على المصالح القومية العليا للبلاد من غيره؛ بل إنه سيكون عضداً قوياً للحكومة، فكونوا عباد الله إخواناً متعاونين من أجل أن ترقى عُمان سلم المجد بسواعد أبنائها، وألا يحتكر بعضنا الإخلاص لعُمان دون سواه، ما لم نسجل سابقة على أحد ضد الآخر، ولا يُغرينا أن نقلّد مجالس البعض في رفع الصوت، والتقليل من احترام الآخر، ووصفه بالفساد، والزعم بأنَّ المتحدث يمثل قمة العفة والإخلاص دون غيره من الناس.