شرق وغرب (3)

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

khalid.algailni@gmail.com

@khaledAlgailani

أيها الأحبة الكرام؛ لا زلنا نتابع قضايا مُجتمعنا الفتي بكثرة شبابه، وروحه الواثقة الوثابة، ولا زلنا نسير شرقا وغربا، تتجاذبنا الأحداث اليومية والقضايا المجتمعية، والتي لابد من نظرة إيجابية لها من جانبنا نحن، ونظرة فاحصة واعية ودارسة مدركة لجوانب الأمور من جانب المسؤول، الذي عليه إيجاد الحلول الناجعة والسريعة.

إنكار المُنكر

كلنا نعلم حديث الرسول المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه "من رأى منكم منكرًا ......" والكثير منا يحفظه ويحتج به عند رؤيته لأمر ما ينكره الدين ولا تقبله الشريعة. والحديث على عموم خطابه الموجه للجميع دون استثناء، لكن واقع الحال يقتضي العمل به وفقاً لضوابط تكفل التنفيذ دون مساس بحقوق العباد أو تجني على حرمات النَّاس التي كفلها الشرع أولاً، ثم نظمتها الأنظمة والقوانين.

فتغيير المنكر باليد لا يُمكن أن يكون اليوم في أيدينا جميعاً، لأننا لسنا سواء في تقييم الوضع وتحديد مستوى المنكر، ولكم أن تتخيلوا أن كل واحد منِّا رأى منكرا أمامه فعمد إلى تغييره بيده، كيف سيكون واقع الحال، وكم الفوضى والتجاوز الذي يمكن أن نعيش فيه، لذلك فهذا دور ولي الأمر من خلال السلطات التي حددها القانون ونظمتها اللوائح والأنظمة، ولله الحمد لدينا قضاء شامخ نفخر برجاله ينكر المنكر بنصوص القانون ومواد الجزاء.

أما تغييره باللسان؛ فهذا أيضاً شأن عظيم، ودور كبير، ولكن من أولى الناس بذلك أنا وأنت أو العالم القدوة المجتهد العارف ببواطن الأمور، ومواضع الحل والحرمة، فأنا وأنت قد تحكمنا العواطف وتدفع بنا الحماسة نحو أمر نجهل أثره وتأثيره، ولربما عواقبه، كما أننا أصلاً قد نكون غير مؤهلين لنصح الناس وتوجيه العباد. أما العالم البارع المتفقه في أمور دينه فهو الأولى والأجدر بهذا الأمر، وقد منّ الله تعالى علينا في هذا البلد العظيم بعلماء نفخر بعلمهم، وننهل من نمير توجيههم، هم أهل نصح ورشاد يضعون الحق في نصابه، ويعدلون ما مال من أمرنا بنصح طيب وإرشاد حسن.

أما تغيير المنكر بالقلب وهو أضعف الإيمان؛ فهذا لي ولك ولعامة النَّاس؛ أن ننكر هذا المنكر ونبرأ إلى الله تعالى منه، وهذا أقصى ما نستطيع، وهو ما فيه ضمان الاستقرار، والبعد عن خلخلة المجتمع وضرب تماسكه، وسبيل نحو تغيير المنكر بعقل واع يحسن التصرف ولا يثير الفزع والعنف بين أفراد المجتمع. وهو نهج تربوي سليم للأسر دورها الرائد فيه لتربية الأبناء على البعد عن مواطن التصرفات التي ينكرها الدين وترفضها الشريعة وينبذها المجتمع.

الفساد

كثيرًا ما تتردد هذه الكلمة، ويتداولها الناس، ويفسرّها كل حسب مجاله وتخصصه وفهمه ووعيه؛ لكن نتفق جميعاً أن الفساد خروج عن الصواب وارتكاب للخطأ، والوقوع في المحظور، وبالتالي لينظر كل منِّا إلى نفسه، ثم يسأل هل وقعت في فساد، وسلكت مسلك غير أهل الرشاد، ومن الخطأ حصره في ما يقدم عليه البعض من عبث وسلب للمال العام، ونهب لمقدرات الوطن. فهذا ليس فسادا وإنما خيانة عظيمة للأمانة، وتجاوز لا يقبل ولا يغتفر للحدود، وإساءة مقيتة للوطن ولأبنائه، وعلى قدر الجرم تكون العقوبة والقصاص.

أما الفساد؛ فالتأخير لمصالح العباد فساد، وتأجيل الأعمال العامة فساد، وعدم القيام بمتطلبات العمل فساد، وتأخير الذهاب إليه فساد، وإساءة استخدام المرافق العامة فساد. عدم حرص الطالب على تحصيل علمه فساد، نشر الأخبار دون تثبت منها فساد ونشرها مع العلم التام بعدم صحتها جريمة.

أمور كثيرة قد نأتي بها يومياً ولا ندرك أنها نوع من الفساد، وهذا أمر يجب إعادة النظر فيه، أما إن كنَّا ندرك فسادا في بعض تصرفاتنا ونصرّ عليه فهذا لعمري فساد جاوز حده وأصبح إلى الجرم أقرب، ولكم أن تتخيلوا لو كل واحد بدأ بنفسه فنهاها عن غيّها، ما النتيجة إذا انتهت وعادت لجادة الصواب وطريق الحق، ما النتيجة لو علم الكل ما عليه أولاً فأداه يرجو من ذلك رضا الله عز وجل وصون الأمانة وحمايتها، ثم يعلم ما له فيطلبه وفقا للنظام والقانون، دون ضرر ولا ضرار.

هنا يجب الهمس في إذن المسؤول المؤتمن عليك بالحرص على إعطاء كل ذي حق حقه، بهذا تعمل جهدك ووسعك للحد من الفساد؛ الذي يجب العمل على الحد منه ثم القضاء عليه، وليس تحويله إلى جرم بيّن مشهود، نكتوي جميعاً بناره ويلحقنا أثره وإثمه ومغرمه.

اللجنة العليا

لعلي كغيري من أبناء المُجتمع، أشيدُ بجهودها حيناً ثم تشدّني العواطف فأشتد عليها حيناً آخر، وصدق من قال: إنما الأعمال بخواتيمها، وقد أثبت الواقع أن اللجنة العليا في تعاملها مع جائحة عالمية لم نخبر مثلها، ولم يشهد العصر الحديث آفة ووبالا كما شهدها؛ تعاملت قدر الإمكان بشكل ممنهج ومنظم، وسعت من خلال القائمين عليها وهم من نعلم صدقهم وحرصهم وأمانتهم وسعيهم وإخلاصهم؛ سعت إلى التعامل مع الجائحة بما يضمن أولا سلامة الفرد ويكفل للناس حياتهم فهي الهدف الأسمى والغاية العظمى، محاولة وبالتعاون مع مختلف أجهزة الدولة الحد من الأثر وتخفيف العواقب، وحينما كنّا نثور ثورة المحب ونغار غيرة العاشق لوطنه وأهله، كانت اللجنة تجوب العالم من خلال تواصلها بحثاً عن أفضل اللقاحات، وأجدى البرتوكولات الطبية، فلا بأس أن نتريث قليلاً في سبيل الوصول إلى الأفضل والأجدى، ورغم سيل التهم ودعوة التقصير إلا أنهم كانوا يصلون ليلهم بنهارهم، بحثاً عن حل ناجع وسبيل يكفي البلاد والعباد شر وباء اشتد واشتدت وتيرته ووطأته.

واليوم ولله الحمد حمدًا يليق بجلاله وكماله وعظيم فضله وعطائه، فإنَّه لا مجال إلا للشكر الجزيل والامتنان العظيم والثناء العاطر لمقام مولانا السامي ثم للجنة العليا ولجميع الأجهزة الطبية مدنية وعسكرية وخاصة، ولكل مسؤول أياً كان موقعه ودوره وسعيه، ولأصحاب اليد البيضاء وللقطاع الخاص ولرجال الأعمال الغيورين ولأبناء عمان أهل الوعي والدعم والسند وأصحاب الفكر النيّر، والله جلَّ جلاله نسأله حفظ البلاد والعباد، وخيره الواسع لأبناء عُمان والمقيمين على أرضها الزاهرة والمتفيئين ظلالها الوارفة.