الأخلاق

 

د. خالد بن علي الخوالدي

khalid1330@hotmail.com

كل الأمم تبنى على أساس قوي وإلا انهارت، وأهم أساس تبنى عليه الأمم والحضارات هي الأخلاق، فالأخلاق ليست سمة دينية كما يعتقد البعض؛ بل هي سمة عالمية قامت عليها كل الحضارات القديمة والحديثة والدليل قول الحبيب المصطفى "إنَّما بُعِثْتُ لأُتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ"، وهذا دليل على وجود الأخلاق من قبله عليه الصلاة والسلام.

وتميز الأخلاق النَّاس بعضهم عن بعض، وتكون مصدر جذب عندما يتصف صاحبها بالأخلاق الحسنة والأسلوب الجميل وتكون منفرة حينما يكون العكس، فالقيم الراقية والحميدة التي يتميز بها الإنسان هي العنوان التي تجعل أفئدة الناس تهوى إليه وهي العطر الطيب الذي يُرافق صاحبه ويجذب الناس إليه، وهذه القيم هي المنطلق ليكون متسامحًا وصدوقًا وأمينًا ومحترمًا وشجاعا وحليما وعادلا وكريما ومتعاونا، وهي الميزة الأساسية التي من خلالها يرتقي وينال استحسان البشر من حوله فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق".

إن أي أمة تتمسك بالأخلاق هي أمة عظيمة وقوية ومتمكنة في الأرض كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وأي أمة مهما كانت تملك من القوة المادية والعسكرية والتجارية والاقتصادية إذا لم تكن على أساس أخلاقي فسوف تنهار حتى لو كان عمرها مئات السنين، فأي مجتمع تسوده الأخلاق هو مجتمع قوي ومتماسك، ومن هنا علينا أن نربي أطفالنا منذ نعومة أظافرهم على الأخلاق والقيم والمبادئ، ونحن ولله الحمد عندنا دستور عظيم كأمة إسلامية نتعلم منه كل الأخلاق الراقية، وهذا الدستور الأخلاقي العظيم المتمثل في القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إذا ما تمسكنا به فلن نحيد عن الهدى والفلاح والأخلاق العالية.

وما أحوجنا في بيوتنا أن نلتزم بالأخلاق، ونكون في أسرنا مثالا حقيقيا وواقعيا للعلو والسمو أخلاقيا حتى نستطيع فيما بعد معاملة الناس في الخارج بهذه الأخلاق السامية فكل إناء بما فيه ينضح، فمن تربى على التواضع سيكون متواضعًا ومن تشرب حسن المعاملة في أسرته سيتقنها في الخارج، ولا ينحصر حسن الخلق في الكلمة الطيبة، والمُعاملة الحسنة، ولكن تتسع صورة حسن الخلق لتشمل التواضع، وعدم التكبر، ولين الجانب، ورحمة الصغير، واحترام الكبير، ومداومة الابتسامة، واختيار الرفقة الحسنة، والإصلاح بين المتخاصمين، والتواضع، والصبر، والصدق، والحلم، وما إلى ذلك من الأخلاق الحسنة التي حثَّ عليها الدين الإسلامي، وهذه الأخلاق إذا لم تكن مزروعة لدى النشء في البيت فلن يستطيع ترجمتها في الحياة الواقعية التي يوجد بها ألوان مختلفة من البشر وألوان متعددة من الأخلاق الحسنة والسيئة والخبيثة، فرفقًا، أزرعوا فيهم القيم الأخلاقية التي تجعلهم متميزين بين اقرأنهم ولا تجعلوا النشء ضحية لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي يوجد بها الغث والسمين والنافع والضار والأخلاق العالية والهابطة، وما أبلغ ذلك الشاعر معروف الرصافي الذي قال :

هي الأخلاقُ تنبتُ كالنبات      

إذا سقيت بماء المكرماتِ

تقوم إذا تعهدها المُربي

على ساق الفضيلة مُثمِرات

وتسمو للمكارم باتساقٍ

كما اتسقت أنابيبُ القناة

وتنعش من صميم المجد رُوحا

بأزهارٍ لها متضوعات

ولم أر للخلائق من محلِّ

يُهذِّبها كحِضن الأمهات

فحضْن الأمّ مدرسة تسامتْ     

بتربية ِ البنين أو البنات

وأخلاقُ الوليدِ تقاس حسناً    

بأخلاق النساءِ الوالداتِ

وليس ربيبُ عالية ِ المزايا     

كمثل ربيب سافلة الصفات

وليس النبت ينبت في جنانٍ    

كمثل النبت ينبت في الفَلاة

فيا صدرَ الفتاة ِ رحبت صدراً  

فأنت مَقرُّ أسنى العاطفات

نراك إذا ضممتَ الطفل لوْحا   

يفوق جميع ألواح الحياة.

تعهدوا من يعز عليكم بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة فهم عنوانكم في المستقبل وأمل البلاد، والنبراس الذي تقام عليه الأمة وتتمسك به لتكون أمة حضارية وإنسانية محترمة ولها قيمة بين الأمم.. ودمتم ودامت عمان بخير.