الخريف والطريق

أحمد بن خلفان الزعابي

zaabi2006@hotmail.com

 

الخريف ذلك الفصل الاستثنائي الذي تكتسي فيه مُحافظة ظفار وهو آسر الألباب بجمال أرضه الخضراء وعذوبة مائه وتساقط مطره ورذاذه وتنفس نسمات هوائه العليل وتلمّس ضبابه المنعش، إنه هبة الرحمن لأرض عُمان.

خريف هذا العام استثنائي من حيث الأجواء وعدد زوار الداخل فيومياً تتوافد على محافظة ظفار قوافل من المركبات كعربات قطارٍ على سكة حديد سالكين الطرق البرية إما عبر محافظة الداخلية فالوسطى وصولاً إلى ظفار أو الطريق الساحلي الرابط بين محافظة شمال الشرقية فالوسطى ثم ظفار.

فكلا الطريقين يؤديان إلى محافظة ظفار إلا أنَّ غالبية زوار الخريف يرتادون الطريق الأول ومشروع ازدواجية طريق أدم هيماء قائم حيث لم ينتهِ العمل به بعد، وما يعكّر صفو الخريف وجماله تلك الحوادث المرورية الشنيعة التي تحدث على كلا الطريقين والتي في الغالب نتائجها كارثية فهناك فقد وألم وحزن وحسرة، وفقد الأرواح التي تذهب فجأة لا يُمكن وصفه سوى بالصبر واحتساب الأجر عند الله والدعاء للفقيد.

من هنا دعونا نتوقف جميعًا لنراجع أنفسنا كمستخدمين للطريق، هل الوصول باكراً قليلاً يستحق السرعة والمناورة والمجازفة بأرواح البشر لأن بعض من قضى نحبه على هذه الطرق لم يكن سبباً في حادث سير إنما ساقته أقدار الله ليكون جزءاً من الحادث.

وبما أنَّ أغلبية السائقين هم من فئة الشباب إذا فالأمر ليس بتلك الصعوبة لأنَّ الشباب بإمكانه تغيير بعض معتقداته نحو ثقافة السياقة للمسافات الطويلة، لذلك يتوجب علينا كسائقين أن نعي جميعاً أنَّ الهدف الأسمى لأية رحلة هو الوصول للوجهة بسلام، أما اختصار الزمن الفعلي المقدّر للوصول فهو لا يقدم ولا يؤخر لأنك أيها السائق لن تحصل على جائزة نوبل للسرعة ولن تدخل ضمن موسوعة جينيس للأرقام القياسية بل تجاوزك للسرعة القانونية يعرضك للمساءلة من قبل جهة الاختصاص، وإن كان هناك توفير لدقائق معدودة لكن هذه الدقائق قد لا تضمن الوصول بسلام، كما أن هذه الدقائق قد تضيع سدا في انتظار تعبئة خزان وقود المركبة أو انتظار وجبة من مطعمٍ على الطريق، هنا ندرك أن تلك الدقائق الموفرة ليست لها أية قيمة مقابل سلامتنا وسلامة أرواح بقية مستخدمي الطريق.

علينا جميعاً كسائقين التخطيط المسبق للرحلات الطويلة وتحديد نقاط التوقف وفحص وصيانة المركبة قبل الانطلاق واصطحاب وجباتٍ خفيفة سهلة الهضم وماء وعصائر منعشة ليبقى السائق يقظاً طوال الرحلة، كما يتوجب أن تكون صفة التأني ملازمة للسائق فقد قيل "في التأني السلامة وفي العجلة الندامة" والسلامة هي أن تصل إلى حيث وجهتك بسلام، أما الندامة فهي واضحة جلياً للجميع فالشمسُ لا تغطى بغربال وما حوادث السير المرورية إلى جزءٍ من الندامة، فقد يكون انشغال السائق بغير الطريق كاستخدامه هاتفه الجوال، أو القيام بمناورة تجاوز خطرة وخاطئة أو تجاوز السرعة القانونية أو انفجار إطار أو النعاس بسبب السياقة لمسافاتٍ طويلة دون الحصول على حصة نومٍ كافية قبل الانطلاق أو مواجهة بعض مُفاجآت الطريق هي مسبباتٍ لحوادث بإمكان السائق تلافيها لأنها تقع ضمن مسؤولياته.

أما بعض الحفر وألسنة الرمال على بعض المساحات من الطرق خاصة الطريق الساحلي الرابط بين ظفار وشمال الشرقية عبر الوسطى، فهي مُفاجآت غير سارة للسائق ومن برفقته وعلى جهات الاختصاص تحمل مسؤولياتها والقيام بأدوارها المتمثلة بصيانة الطرق وإزالة وتنظيف ألسنة الرمال بشكل دوري، وذلك لأن ما تخلفه الحوادث من فقدانٍ للأرواح أو إصاباتٍ أو عاهاتٍ مستديمة مُكلفة جداً اجتماعياً ونفسياً ومادياً على الفرد وعلى الدولة بكل المقاييس.

وهنا نصل إذاً إلى أنَّ المسؤولية تقع على عاتق الجميع، وعلى كل مسؤول أن يضع نصب عينيه القيام بما كلف به من مسؤوليات لأن حياة البشر لا تقدّر بثمن وعلى السائقين التزام الحيطة والحذر أثناء السياقة على الطرق والالتزام بنظام وقواعد المرور، ولنجعل من الخريف ذكرى لا تنسى فيها من الجمال الشيء الكثير فوجودك بين أحضان الطبيعة الغناء كروعة جبل سمحان ورحابة سهل أتين وجمال عين أثوم وأنس وادي دربات محطات رحلة تبقى لتمدنا بالنشاط والإيجابية إلى حيث نحن ذاهبين ولنجعل الالتزام شعاراً لنا فالسلامة غاية والروح غالية وحفظ الله الجميع.

تعليق عبر الفيس بوك