علي بن سالم كفيتان
لعلَّ من المُفارقات العجيبة في هذا الزمن أن تشترط وزارة التربية والتعليم على خريجي اللغة الإنجليزية- كمُعلمين- تخطي اختبار الآيلتس (اختبار اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها)، والمُفارقة هنا كون هؤلاء تلقوا تعليمهم في دراسة اللغة الإنجليزية بمدارس الوزارة طوال 12 عامًا، قبل أن تقذفهم الأمواج إلى وزارة التعليم العالي التي وافقت على التحاقهم بمؤسسات تعليمية تعترف بها، وعند تخرجهم وتقديمهم للحصول على الوظيفة، تضع الجهتان العراقيل تلو الأخرى؛ لكي تحول دون بلوغهم الهدف، ولكي نكون أكثر وضوحًا ولتبيان تلك المفارقة العجيبة، نجد أنَّ الوزارة لا تشترط حصول مُعلم اللغة الإنجليزية القادم من وراء البحار على شهادة الآيلتس التي يُلزم بها العُمانيون... فإلى أين نحن سائرون؟
تواصل معي عددٌ ممن يعانون من هذا الحاجز الذي وضعته وزارة التربية والتعليم أمامهم وعددهم كبير نسبيًا، لكن مساق مدرسي اللغة الإنجليزية في الوزارة يستوعبهم جميعًا والشواغر متوافرة، لكنها ليست لهم للأسف؛ بل للوافدين، وقد تواصلت مع بعض المعنيين بالوزارة وتبين لي أنهم لا يملكون حجة دامغة لاستبعاد عشرات العُمانيين من التوظيف في بلادهم ومنح فرصهم بعد سنوات الدراسة والعناء لآخرين، بحجة أنَّ العُمانيين غير مؤهلين لشغل تلك الوظائف. هنا يجب أن تتم محاسبة نظام التعليم والقائمين عليه؛ كون ذلك هو حصيلة تعليمهم، إذا ما ثبت فعلًا أن هؤلاء لا يصلحون لشغل وظيفة مدرس لغة إنجليزية، على الأقل للصفوف من الأول إلى الرابع، وهو ما يُعرف بصفوف الحلقة الأولى في التعليم الأساسي، كما يجب أن تطال المحاسبة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار التي أخبرت الطلبة وأولياء أمورهم أن الجامعات التي التحقوا بها مُعترف بها، وأن مخرجاتها مؤهلة بالشكل الكافي لنيل وظيفة معلم لغة إنجليزية.
لقد ساهمت وزارة التربية والتعليم بذلك في تسمين المعاهد المجاز لها إجراء اختبارات الآيلتس، فكل اختبار يُكلف هذا الباحث عن عمل وأهله ما يصل إلى 100 ريال، وفي ذات الوقت أنهكت جيوب أولياء الأمور الذين استثمروا في أبنائهم طوال سنوات، وباعوا الغالي والرخيص لتعليمهم، أملًا في الوظيفة. تقول لي إحدى الخريجات "إنني بت أخجل من أبي الذي حاشه التقاعد الثلاثيني، فقد باع حتى سيارته من أجلي واليوم أخوض الاختبار تلو الاختبار، وهو يتسلف لي قيمة رسوم تلك الاختبارات من أصدقائه، وفي كل مرة أجد نفسي لا أحقق النقاط الستة التي تطلبها وزارة التربية لتعترف بأهليتي لتعليم أبناء وطني، بينما يتم جلب المدرسين من مختلف الأصقاع ليعلموا في قريتي، أليس هذا يشعرك بالحزن والأسى؟"، تتساءل الخريجة بحرقة، وتبكي على الطرف الآخر من الهاتف.. فإلى أين نحن سائرون؟
وحسب متابعتي للأمر وقعت وزارة التربية مذكرة تفاهم أو اتفاقية لتأهيل هذه الفئة لبلوغ درجة العبقرية في اللغة الإنجليزية، ولكن مذكرة التفاهم لم ترَ النور، والاتفاقية لم تُنفذ، فما عسانا نقول لهؤلاء: يا وزارة التربية والتعليم هل تلك الاتفاقية باتت جزءًا من سجل الوزارة الناصع بالحفاظ على المال العام؟ أم أنها كانت قسطًا من بيع الوهم لقطاع كبير من المواطنين المُنهكين من ضرورات الحياة وضغط الظروف التي تكالبت عليهم في الفترة الأخيرة؟
لا نجد مبرراً لوضع هذه العراقيل أمام أبنائنا خلال هذه الفترة العصيبة.
ولكي تتبين لنا التناقضات في هذا الملف، نجد أن وزارة التربية والتعليم تقوم بتوظيف بعض هؤلاء بعقود مؤقتة في المدارس عند شغور بعض الفرص الآنية التي تطال بعض المدرسين النظاميين، ولا تشترط عليهم الحصول على شهادة الآيلتس، فيقوم المعلم بمهام زميله لبضعة أيام أو شهور، ثم يعاد إلى دكة الاحتياط، فإذا كانت هذه الشهادة "الآيلتس" هي مبدأ لجودة التعليم، فلماذا تتنازلون عنها عندما تحتاجون لسد نقص؟ وأين المصداقية في ذلك؟!
حسب علمي لا يوجد نظام تعليم عام في العالم يشترط حصول المدرس المستجد في اللغة الإنجليزية على شهادة الآيلتس؛ فهذه الشهادة تُطلب ممن يرغبون في مواصلة تعليمهم العالي أو الحصول على وظائف تنفيذية عُليا في الشركات العابرة للقارات، أو العمل ضمن المُنظمات الدولية، أما أن نُلزم معلم حلقة أولى بها؛ فهذا ضرب من التعقيد، واختراع للحواجز الوهمية التي زرعها المستعمر في بلداننا، فأهملنا لغتنا الأم العربية وأصبحننا نتفنن في تعلم لغات الآخرين.
نرجو من وزارة التربية والتعليم العدول عن هذا الشرط التعجيزي، وإن كان ولا بُد؛ فلتطبق مذكرة التفاهم التي وقعتها لتأهيل هؤلاء المواطنين ودمجهم في النظام التعليمي قريبًا..
حفظ الله بلادي.